عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Aug-2025

بدائل ضغط

 الغد

يديعوت أحرونوت
 
 بقلم: رون بن يشاي   8/8/2025
 
حسب كل المؤشرات يوجد اتفاق كامل بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو حول الحاجة إلى خطوة عسكرية فورية وقوية في أراضي قطاع غزة، تكسر حاجز الرفض الحماسي. هذا بعد أن توصلوا في القدس وفي واشنطن إلى الاستنتاج بان حماس، التي وافقت مبدئيا على صفقة تحرير مخطوفين وفق منحى ويتكوف قررت الانتقال إلى إستراتيجية الاستنزاف. فقد بدأ مندوبو المنظمة في الدوحة التقدم باقتراحات مع علم واضح أن إسرائيل لن تقبل المطالب التي طرحت فيها. هدف المنظمة هو المماطلة بنية أن يؤدي الجمود في المفاوضات، "تسونامي نزع الشرعية" المناهض لإسرائيل الذي اجتاح الأسرة الدولية وتأثير أشرطة الفظاعة للمخطوفين المجوعين على الرأي العام في إسرائيل إلى إخضاع حكومة إسرائيل واستسلامها لمطالبها.
 
 
 الخطوة المضادة التي نسقها نتنياهو وترامب بينهما تستهدف إحباط هذه الإستراتيجية. فقد اتفق بان تكون عسكرية في أساسها لكنها تتضمن أيضا عنصرا إنسانيا جديا يسحب من حماس سلاح الوعي الذي خلقته بواسطة حملة التجويع الكاذبة. الخطوة العسكرية – الإنسانية المتداخلة يفترض أن تضغط على المنظمة للعودة إلى مفاوضات موضوعية وفاعلة على تحرير كل المخطوفين وعلى إنهاء الحرب بشروط تكون مقبولة على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة.
لقد بدأت الخطوة تنضج عندما ترك وفدا إسرائيل والولايات المتحدة طاولة المفاوضات في الدوحة. بالتوازي صدرت بيانات في القدس وفي واشنطن بأن من الآن فصاعدا اسم اللعبة هو الكل مقابل الكل: كل المخطوفين مقابل كل المعتقلين الفلسطينيين، وقف الحرب مقابل نزع سلاح حماس وإبعادها عن كل موقف سلطوي في غزة. وكل هذا يستهدف إدخال قيادة حماس في القطاع وفي قطر في حالة ضغط.
في حماس أيضا يعرفون بأن مفاوضات على صيغة "الكل مقابل الكل" ستستمر لزمن طويل جدا، إلى ما يتجاوز الفترة الزمنية التي خططت فيها لتمديد مناورة التأخير. في الأشهر التي ستمر ليس فقط المخطوفون سيعانون وسيكونون عرضة لخطر الموت بل وسكان القطاع أيضا، بمن فيهم المخربون وقادتهم الذين في الأنفاق تحت الأرض وأبناء عائلاتهم الذين في الخيام فوق الأرض. الأمطار وبرد الشتاء القادمة في هذه الظروف هي تهديد عسير حتى الجهاديين الذين هم مستعدون للتضحية بأنفسهم وبالسكان غير المشاركين غير مراعاتها وبخاصة في ضوء المعرفة بأنه إلى أن يكون اتفاق لن يبدأ إعمار القطاع.
لكن لب الخطوة كان موجة تسريبات لوسائل الإعلام خرجت من مكتب رئيس الوزراء حول نيته، بدعم الكابينت أن يأمر الجيش بـ "احتلال غزة". كان التهديد غامضا عن قصد. فلم يتم الإيضاح للصحفيين السياسيين ما هو بالضبط المعنى العملي العسكري لـ "احتلال غزة". لكن الانطباع الذي خلقه مكتب نتنياهو عن قصد هو أن الجيش يفترض أن يناور في كل الجيوب التي "لم يلمسها" بعد خوفا على حياة المخطوفين، وبالتالي السيطرة على 100 في المائة من أراضي القطاع.
رئيس الأركان آيال زمير أوضح لرئيس الوزراء وللكابينت في مناسبات عديدة بانه يعارض مثل هذه الخطوة التي ستنطوي على ثمن رهيب وشبه مؤكد يتمثل بفقدان كل المخطوفين الذين سيتقلون على أيدي آسريهم أو يصابون بنار الجيش الإسرائيلي؛ عشرات المقاتلين سيقتلون والمئات سيصابون بالعبوات التي أعدتها حماس وزرعتها في هذه الجيوب؛ الجيش سيضطر لأن يجند مرة أخرى في هجوم طويل وحدات مقاتلة من صفوف الاحتياط المنهكة والآخذة بالهزال؛ النظاميون الذين مددت خدمتهم سيضطرون لان يتحملون أساس العبء مع أبناء عائلاتهم القلقين، بينما يواصل الائتلاف العمل على قانون التملص؛ الثمن الاقتصادي الذي يقدر بـ 35 مليار شيكل في السنة، كلنا سنشعر به؛ صورة إسرائيل كمن تستخف بالقانون الدولي ستواصل التدهور، وهذه ستكون خطوة أخرى في الطريق لتحولها إلى دولة منبوذة مواطنوها ليس مرغوب فيهم في أي مكان.
معضلة العلم الأسود
رئيس الأركان زمير، الذي عرض على القيادة السياسية الثمن غير المعقول لاحتلال القطاع كله، اقترح بديلا وضعته شعبة العمليات ويؤيده معظم جنرالات هيئة الأركان. المنطق من خلفه هو أنه يمكن ممارسة ضغط عسكري على حماس يؤدي إلى تحرير المخطوفين وتصفيتها كجهة سلطوية وعسكرية في غزة دون دفع أثمان باهظة جدا. وذلك عن طريق تطويق الجيوب التي ما يزال الجيش لا يسيطر عليها واستنزاف رجال حماس وقادتها يكون باجتياحات مركزة ونار دقيقة لا تمس بالمخطوفين ولا تعطي للمخربين الذين يحرسونهم الوقت لقتلهم (مثلما حصل للمخطوفين الستة في رفح في آب الماضي).
سيتم التطويق من فوق ومن تحت الأرض بشكل لا يسمح للمقاتلين بالخروج من هذه الجيوب وليفاجأوا الجيش في المناطق التي يسيطر فيها منذ الآن في أرجاء القطاع. سيضطر المقاتلون لان يتصدوا لقوات غير كبيرة من الجيش الإسرائيلي، مسلحة بأفضل وسائل الاستخبارات والسلاح الدقيق. اما مراكز الصندوق الإنساني لغزة التي ستقام في هوامش الجيوب ويحرسها الجيش الإسرائيلي فستوزع كميات كبيرة من المساعدات لسكانها.
النقيصة الوحيدة في خطة "التطويق والاستنزاف" هي الزمن الطويل الذي سيكون مطلوبا لأجل تحقيق النتيجة المرجوة من خلالها. في هذا الزمن قد يموت مخطوفون بالجوع، الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من أن يتفرغ بشكل كامل لعملية إعادة التأهيل والبناء للقوة والسماح للمقاتلين بالاستراحة التي يحتاجونها بعد نحو سنتين من القتال.
رئيس الوزراء من جهته، أوضح لرئيس الأركان صراحة بأنه يريد أن ينفذ الجيش احتلالا كاملا وليس البديل الذي طرحه تمير: "التطويق والاستنزاف".
علق رئيس الأركان في ضائقة. بداية كان واثقا بانه سينجح في إقناع نتنياهو بقبول موقفه. ولكن عندما فهم بانه فشل في ذلك بدا يسأل نفسه ومقربيه إذا كان عليه أن يتعاون مع خطوة تعارضها القيادة العسكرية بحزم. في جهاز الأمن كان من تحدث عن أمر غير قانوني على نحو ظاهر يرفرف علم اسود فوقه ولهذا فواجب رفضه.
لا ادعي معرفة ما هي دوافع واعتبارات رئيس الوزراء، ولكن بضع حقائق تشير إلى الاتجاه. أهمها هي الوعد الذي همسه بإذن بتسلئيل سموتريتش والذي أدى بوزير المالية أن يعلن أن ليس في نيته الانسحاب من الحكومة بانه "ستحدث أمور طيبة".
نتنياهو، بقدر ما هو معروف، يعارض استئناف الاستيطان اليهودي في قطاع غزة. لكن التسريبات عن احتلال كامل سمحت له بان يبقي سموتريتش وبن غفير في الائتلاف. إضافة إلى ذلك، خلق على حد نهجه تهديدا وضغطا على حماس التي بتقدير محافل الأمن ليست حساسة لمعاناة السكان ومستعدة لان تضحي بحياة رجالها لكنها حساسة جدا لفقدان الأراضي.
في حملة عربات جدعون نجح الجيش في السيطرة على نحو 75 في المائة من أراضي القطاع حيث يتمتع بحرية عمل وحركة شبه كاملة. تبقت فقط ثلاثة جيوب لم يناور في داخلها الجيش. معا تشكل في مساحتها ربع حتى ثلث مساحة القطاع لكن نحو 80 في المائة من سكان القطاع، أساسا مواطنون غير مشاركين اخلوا مناطق القتال الأخرى، يسكنون هناك في شروط شبه غير إنسانية.
في غزة، وأساسا في غربي المدينة على شاطئ البحر يتجمع نحو مليون نسمة؛ في مخيمات الوسط (النصيرات، دير البلح، البريج والمغازي) يسكن نحو 400 ألف نسمة، وفي المواصي نحو 600 ألف نسمة. في هذه الجيوب يحتجز معظم المخطوفين الأحياء، وربما كلهم، وبعض من الجثث. التأثير الذي سيكون على مثل هذه المناورة على مصير المخطوفين واضح.
فضلا عن ذلك، فانه لو كانت دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي لا يريدون أن يتحملوا ذنب الإبادة الجماعية لأجيال، فانهم ملزمون بان يسمحوا للسكان بل وان يلزموهم بمغادرة هذه الجيوب قبل أن تبدأ القوات بإمطار النار من الجو ومن الأرض كإعداد لدخول القوات المناورة. إخلاء مطبق كهذا ضروري أيضا لأجل منع المس بالمخطوفين. حماس والجهاد يرون فيهم ذخرا إستراتيجيا باهظ الثمن – ورقة المساومة الوحيدة المتبقية في أيديهم – وبالتالي معقول الافتراض بانهم سيستغلون إخلاء السكان من الجيوب كي ينقلوا في الخفاء المخطوفين إلى مكان آمن.
قبيل جلسة الكابينت عن توسيع القتال أعدت ثلاثة بدائل لعمل قوي في غزة وفقا لخطوط التوجه التي عرضها رئيس الوزراء. البديل الأول، الأوسع هو احتلال كامل للقطاع من خلال مناورة داخل الجيوب الثلاثة التي ما تزال حماس تسيطر فيها – مدينة غزة، مخيمات الوسط والمواصي. حسب هذا البديل سيكون إخلاء السكان إلى "المجال الجنوبي"، حيث سيحصلون على المساعدات الإنسانية. بعد أن يحتل الجيش الجيوب ويبدأ بالتدمير البطيء والجذري للبنى التحت أرضية سيعمق سيطرته الأمنية في كل أراضي القطاع وسيضطر على ما يبدو لإقامة حكم عسكري إلى أن يتحقق اتفاق لتحرير كل المخطوفين، وقف القتال وتصفية حكم حماس. إلى جانب تشجيع الهجرة الطوعية لأكبر عدد ممكن من الغزيين، إسرائيل كفيلة بان تضم مناطق في القطاع. "المرشحة" الأساسية هي المجال الشمالي، ومجال الحزام العازل على طول الحدود.
البديل الثاني الاضيق، هو احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط، بدون المواصي التي عرفها الجيش في بداية الحرب كـ "منطقة آمنة". اما في كل باقي التفاصيل فالبديلان متشابهان. البديل الثالث هو احتلال غزة المدينة وحدها، وتطويق مخيمات الوسط والمواصي دون المناورة في داخلها. لهذا المنحى عدة فضائل: فهو سيقلص الخطر على حياة المخطوفين (التقدير هو أن آسريهم سيهربونهم إلى معسكرات الوسط والمواصي تحت غطاء إخلاء السكان)؛ لغرض تنفيذه سيكون مطلوبا نصف حجم القوات في البديل الأول، 10 – 11 لواء بدلا من 5 فرق كاملة؛ وأساسا: احتلال مدينة غزة سيسحب من حماس السيطرة على عاصمة القطاع. إذا فقدت السيطرة على مليون من سكان غزة ستفقد عمليا مظهر الحكم في القطاع كله. كما أن لحملة محدودة تركز على مدينة غزة سيكون أيضا أثر مهدئ على الرأي العام العالمي، على خلفية التوقعات لحرب ياجوج وماجوج كثيرة القتلى بين المدنيين الفلسطينيين وأزمة إنسانية حادة.
رئيس الأركان زمير لا يؤيد أيا من هذه البدائل وبقي على رأيه بأن الطريق الصحيح هو تنفيذ خطة التطويق والاستنزاف دون احتلال أي من الجيوب. ومع ذلك فان الجيش بقيادته سينفذ قرار الكابينت في ظل اتخاذ خطوات تقلل الخطر المحدق بالمخطوفين إذا لم تطويه تماما.