عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Mar-2021

قراءة في كتاب «المواطنة والهُوية الوطنية» لمجد الدين خمش

 الراي-د.منير كرادشة

 
يستهل الدكتور مجد الدين خمش في كتابه «المواطنة والهوية الوطنية» بتحليل نظرية المواطنة ومرتكزاتها الأساسية، خصوصاً المساواة أمام القانون، والتمتع بالحقوق والحريات والخدمات العامة المجانية، وحرية التملك والعمل والتنقل، والمشاركة السياسية والاقتصادية، مؤكداً من خلال ذلك بأن المواطنة علاقة قانونية بين الفرد والدولة تتضمن الجنسية وحقوقها والتزاماتها، لكنها تتجاوزها لكونها أكثر شمولاً في معناها ومضامينها.
 
كما يوضّح الكتاب أن الهُوية تتجلى على مستويين متكاملين: مستوى الهُوية الذاتية للأفراد، ومستوى الهُوية الوطنية الجامعة. فعلى المستوى الأول، يمتلك الفرد هُوية سياسية وطنية تنتج عن ارتباطه بالدولة ومؤسساتها، وبالمجتمع وجماعاته المختلفة؛ فيشعر في ضوئها أن مشاعره وسلوكياته انعكاس للولاء للدولة، والانتماء إلى المجتمع، بالرغم من أنه يمتلك هُويات ذاتية أخرى، مثل الهُوية القرابية، و المهنية، والعمرية، والدينية، والطبقية، بالإضافة إلى هُويات أخرى ناتجة عن عضويته في تنظيمات المجتمع المدني، إلا إن هُوية المواطنة تبقى لديه هي الأقوى، والأشمل. وقد فاز هذا الكتاب بجائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للإبداع (2018)، وهي من أهم الجوائز الأردنية والعربية، وتعمل على ترسيخ قيم ومهارات التميّز والإبداع، وتوطينها في البيئة الأردنية والعربية.
 
ولا يشعر المواطن -كما يتبيّن من تحليلات الكتاب- بوجود تعارض بين هذه الهُويات، فهي تكمّل بعضهاً بعضاً، وتدعّم الانتماء الوطني. كما أنها تُعطي الفرد مكانات وأدواراً متعددة متنوعة تزيد من شعوره بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية، وتحفزّه للقيام بواجباته تجاه مجتمعه ضمن معطيات الدستور، ونصوص القانون بما يقوّي شرعية حصوله على حقوقه وحرياته التي يتساوى في التمتع بها مع المواطنين الآخرين من شتى المنابت والأصول، ومن مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
 
ويستعرض خمش في مؤلفه الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان، في ٣٦٤ صفحة من القطع الكبير، بدايات نشأة الهُوية الوطنية العربية التي تؤطّر الهُويات القطرية العربية بإطار قومي، والتي برزت بواكيرها إبّان عصر النهضة العربية في بدايات القرن التاسع عشر.
 
أما الهُوية الوطنية الأردنية الجامعة، فيبيّن المؤلف أنها انبثقت بشكل أساسي من مبادئ الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي ابتداءً من عام 1916، والتي بدأت بالترسخ بعد تأسيس الإمارة في شرقي الأردن في العام 1921 بقيادة الملك المؤسس عبد الله الأول، طيب الله ثراه، متجاوزة الانتماءات الجغرافية، والدينية، والإثنية، والعشائرية إلى الانتماء إلى الدولة وقيمها ومصالحها ومشروعها الوطني المستند إلى مبادئ الثورة العربية الكبرى. كما بدأت مؤسسات الدولة بالتشكل والانتشار لتقوم بدورها في تدعيم وحدة المجتمع وترسيخ هُويته الوطنية بالاستناد إلى مكوّنات ومبادئ وقيم الثورة العربية الكبرى ومؤسسات الدولة وسياساتها.
 
ويقف الكاتب مطولاً في معرض مراجعته لعدد من دساتير البلدان العربية، مستخلصاً بأنها دساتير عصرية تتميز بدرجة ملحوظة من الانفتاح والليبرالية، والايجابية في الاعتناء بالمواطنين وتبيان حقوقهم وحرياتهم بالتفصيل، ضمن إمكانيات كل دولة منها. إضافة إلى سعيه لذكر التزامات الأفراد وواجباتهم نحو مؤسسات الدولة والمجتمع وممارستهم حقوقهم وحرياتهم. كما يؤكد المؤلف على وجود مواد في الدستور تحدّد مجالات المشاركة السياسية المطلوبة من الأفراد وشروطها، وكذلك مجالات المشاركة الاجتماعية المتاحة لهم. ويقدم المؤلف أيضاً عرضاً مفصلاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية لعلاقتها بعدد من التشريعات العربية، وعدد من نصوص القوانين المدنية، وارتباطها بحقوق المواطنة وحرياتها وطنياً وعالمياً. ومن هذه المواثيق والاتفاقيات الدولية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، واتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية.
 
ويعرض الكتاب ببعض التفصيل لخصائص وسمات المواطن الصالح التي تسعى المناهج التربوية لصياغتها من خلال المنهاج الرسمي والمنهاج الضمني أو الخفي، والتطبيقات والنشاطات المختلفة. وكذلك من خلال منهاج مادتي التربية الوطنية والثقافة الوطنية في الجامعات الأردنية. ويتم التركيز في عدد من الدول الأوروبية والعربية -كما يتضح من تحليلات المؤلف- من خلال المنهاج المدرسي على الديمقراطية بوصفها إجراء ناجحاً ضد الفاشيّة والدكتاتورية والإرهاب، واعتماد الحقوق المدنية وتطبيقاتها التي تشمل: المساواة، والتكافؤ، والتسامح، والخضوع للقانون، وحرية التملك والعمل، واحترام العقود، وممارسة الحريات المسؤولة، وتدريب الشباب على حرية الرأي والتعبير في التعامل مع القضايا السياسية والثقافية العامة، وحرية النشر، واحترام حرية المؤسسات، والأفراد، ومجموعات الضغط، والعمل على توسيع الحقوق الدستورية للرجال والنساء سياسياً بما يتضمن الحق في الترشّح للمناصب العامة والسياسية، والتصويت في الانتخابات على مستوى المدرسة، والمجتمع بشكل عام.
 
وفي الختام، هذا الكتاب إنجاز أكاديمي وطني كبير، يقدّم مشروعاً نظرياً وتطبيقياً لتدعيم مشاعر ومهارات وسلوكيات المواطنة الصالحة المنتمية وتشريعاتها ومؤسساتها السياسية والتربوية، وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة التي تعتمد عليها الدول في حشد الطاقات لمواجهة التحدّيات.