عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jun-2019

عائلته تحكي روايتها.. الحياة الشخصية والفكرية لإدوارد سعيد في فيلم جديد

 

 
عمران عبد الله
 
"كنت ولداً شقياً وكنت أعذب المعلمين والمعلمات في المدرسة، ولهذا طُردت من المدرسة، وهذا سبب مجيئي إلى الولايات المتحدة عام 1951". هكذا افتتح الفيلم الوثائقي الجديد الذي أطلقته مؤسسة "ثمانية للنشر" على صفحتها على "يوتيوب"، ويتناول حياة إدوارد سعيد الابن والزوج، وكذلك الفنان والأديب، وروتين يومه بعيون أسرته.
 
تقول مريم سعيد زوجة إدوارد -التي تحدثت في الفيلم- إنه اهتم بدراسته بعد أن ذهب إلى أميركا وعدل عن دراسة الطب للتوجه نحو الأدب. وتضيف ابنته نجلاء أنه كان منعزلا عن الشرق الأوسط حتى أواخر الستينيات.
 
وتوفي المفكر والناقد الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد قبل 16 عاما تقريبا، تاركا وراءه إرثا مثيرا للجدل والاهتمام في آن.
 
يقدم الوثائقي الجديد بعنوان "من الاستشراق وحتى المقابلة الأخيرة" منظورا جديدا لرحلة سعيد الحافلة من منظور عائلته، مسلطا الضوء على جوانب شخصية سعيد الأب والمثقف المحب للموسيقى، وبالطبع المثقف مؤلف "الاستشراق" و"الثقافة والإمبريالية"، والناشط المعارض لاتفاقات أوسلو التي وصفها بالصفقة الخاسرة.
 
من القدس إلى أميركا
ولد إدوارد سعيد يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 في القدس، لعائلة مسيحية (من أب فلسطيني أميركي وأم فلسطينية لبنانية)، وترعرع في القاهرة ثم هاجر منها إلى الولايات المتحدة وحصل على الجنسية الأميركية.
 
كان سعيد في الولايات المتحدة عندما وقعت حرب 1967 التي أعادت إلى سعيد علاقته بالعالم العربي، وأصبح يكتب عن فلسطين منتقدا السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل، بحسب زوجة سعيد.
 
ويحكي صوت سعيد في الفيلم عن فلسطين والقدس والناصرة التي لم يعد يذكر منها الكثير، لكنه قليل يخصه بعمق من الذكريات المحسوسة التي لا يمكن نسيانها، مضيفا أن "فلسطين هي المنفى، المغصوبة، الذكريات غير الدقيقة لمكان ما تستحيل إلى ذكريات ضبابية لمكان آخر".
 
كما تحكي ابنته نجلاء عن رحلة العائلة إلى فلسطين عام 1992 التي كانت أول رحلة لسعيد إلى بلاده التي ولد فيها. وتصف زوجته مريم زيارته المؤثرة لبيته القديم بالصدمة، وتذكر أنه رفض دخوله.
 
وتعتبر مريم أن هذه الزيارة فتحت عليه فلسطين، بينما تقول ابنته إن أباها وجد الكثير من الارتباط العاطفي في الزيارة، رغم أنه لم يكن معروفاً في بلده الأول مثلما كان معروفاً في أميركا.
 
وتضيف زوجته أن مؤلف "الاستشراق" لم يكن يتوقع أن يثير كتابه هذه الضجة الكبيرة، إذ وصف سعيد الاستشراق بأنه مصطلح غير دقيق، واعتبره "تحيزا مستمرا وماكرا من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الإسلامية".
 
واعتبر سعيد أن الصور الرومانسية الكلاسيكية الشائعة في الكتابات الأوروبية تجاه آسيا والشرق الأوسط ليست إلا تسويغا للطموحات الاستعمارية الإمبريالية للدول الأوروبية، ولاحقا الولايات المتحدة.
 
كما انتقد سعيد النخب العربية التي حاولت استيعاب واستبطان وتمثّل الأفكار الاستشراقية الذي اعتبره تقليدا أكاديميا يقوم على التمييز المعرفي والوجودي بين الشرق والغرب، لتتطور هذه النظرة أواخر القرن الثامن عشر فتغدو أسلوبا سلطويا في التعامل مع الشرق من أجل الهيمنة عليه.
 
وتحكي ابنته في مزج بين أفكار سعيد وحياته الشخصية، أن جدتها المسيحية لبنانية من بيروت الغربية ورفضت عائلتها الانتقال إلى القسم الشرقي من المدينة ذي التركز المسيحي أثناء الحرب الأهلية، بينما جدها من القدس الغربية لا من الجانب الشرقي ذي الأغلبية العربية، وهو ما يشبه مقولة درويش "لا الشرقُ شرقٌ تماماً، ولا الغربُ غربٌ تماماً، لأن الهويَّةَ مفتوحةٌ للتعدُّد".
 
وقال سعيد عن نفسه إنه ليست لديه مشكلة مع الهوية، فلديه هويات متعددة فهو فلسطيني وأميركي وعربي.
 
وتقول ابنة سعيد إن والدها تربى في القاهرة واستطاع التكلم باللهجة المصرية، وكان يضحك بشدة لدرجة البكاء حين تحدث باللهجة المصرية مع بائع مصري، وتقول زوجته أيضا إنه كان متفائلا للغاية وذا شخصية محبة ومرحة وسلسة.
 
تحكي نجلاء عن أصدقائه بمن فيهم أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأميركي ناعوم تشومسكي والفيلسوف الفرنسي جاك دريدا والمؤلف والناقد الأدبي كريستوفر هيتشنز، وقالت إنه انقلب ضدهم في النهاية.
 
ويرى سعيد أن معظم الدراسات الأوروبية عن الحضارة الإسلامية كانت متحيزة عن عمد إلى الرؤية الغربية، وتهدف إلى تأكيد الذات الغربية بدلا من الدراسة الموضوعية. كما يرى أن هذه الدراسات استعانت بأدوات الهيمنة الإمبريالية وطرقها.
 
المثقف والناشط
وعُرف سعيد بموقفه الناقد لنظرة الغرب ورؤيته للشرق، فلم يكن دفاعيا بعكس أقرانه، بل طرح مبدأ احترام التعددية الثقافية وربط المعرفة بالنزعة الإنسانية بدل النزعة التسلطية الأيدولوجية كبديل للاستشراق لردم الهوة بين الشرق والغرب.
 
وألف سعيد أكثر من عشرين كتابا، من بينها "الاستشراق"، و"تغطية الإسلام.. كيف تحدد وسائل الإعلام والخبراء الطريقة التي نرى فيها العالم"، و"مسألة فلسطين"، و"الثقافة والإمبريالية" الذي يعتبر تكملة لكتابه "الاستشراق"، وترجمت كتبه إلى أكثر من عشرين لغة.
 
وبخلاف نشاطه الفكري، كان سعيد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، لكنه استقال بسبب معارضته الشديدة لبعض مواقف الرئيس الراحل ياسر عرفات. كما رفض اتفاقيات أوسلو التي كان يعتقد أنها صفقة خاسرة للفلسطينيين.
 
وتميزت العقود الثلاثة الأخيرة من حياة سعيد بمواقفه الجريئة وكتاباته عن الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ودفاعه عن ضرورة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة. كما ألف سيرة ذاتية صدرت عام 2000 بعنوان "خارج المكان".
 
وبالإضافة إلى الكتابة، امتلك إدوارد سعيد معرفة بالموسيقى وتاريخها، وألف فيها كتابين "متتاليات موسيقية"، و"عن النموذج الأخير.. الموسيقى والأدب ضد التيار"، فضلا عن ممارسته العزف على البيانو بمستوى المحترفين.
 
المصدر : الجزيرة