عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Nov-2019

أميركا تضغط لتشكيل رقابة على الاستثمارات الصينية في إسرائيل - بقلم: دورون ايله

 

INSS
 
قرر الكابنت السياسي الأمني نهاية الشهر الماضي تشكيل لجنة استشارية لفحص جوانب الامن القومي في عملية اقرار الاستثمارات الاجنبية. وقد تبلور هذا القرار في اعقاب دراسة طويلة قامت بها هيئة الأمن القومي، وزارة المالية والمجلس القومي للاقتصاد. وتقرر ان يشارك في اللجنة مندوبون كبار من وزارتي المالية، والدفاع، وهيئة الامن القومي، ومراقبون من وزارتي الخارجية، والاقتصاد، المجلس القومي للاقتصاد ومراقب من وزارة المالية. وجاءت اللجنة لمساعدة واضعي الانظمة الادارية على دمج اعتبارات الامن القومي، اضافة للاعتبارات المالية والاقتصادية اساسا، في عملية اقرار الاستثمارات الاجنبية. ومع ذلك، فإن التوجه الى اللجنة سيتم بشكل تطوعي من مسؤولي الانظمة الادارية الذين سيتم الاستثمار في مجالهم – اذا استوفى هذا المعايير المتبعة واعتبارات مسؤولي الانظمة الادارية – بينما الصفقات التي لا تستوجب اقرارا حكوميا لن تطرح على البحث في اللجنة.
لقد كان القرار نتيجة ضغوط اميركية على اسرائيل وخوفا من المس بالعلاقات الاستراتيجية معها، بعد ان اوضحوا في واشنطن أنهم يتوقعون من اسرائيل ان تغير الموقف من النشاط الصيني في اراضيها. وينبغي التشديد هنا على انه في ظل “الحرب التجارية” بين الصين وأميركا مارس مسؤولون في الادارة الاميركية ضغطا على نظرائهم الاسرائيليين للتسريع في تشكيل آلية رقابة على الاستثمارات الاجنبية، مثل الآلية الموازية القائمة في بلادهم. وأعرب مسؤولون اميركيون عن تخوفهم من دور صيني في ميناء حيفا في شبكات الاتصال الخلوية من الجيل الخامس وفي قطاع التكنولوجيا العليا الاسرائيلي، والتي في هذه اللحظة لا تندرج في اطار الصفقات التي تدرسها اللجنة، وهو وضع من شأنه ان يؤدي الى تعاظم التوتر مع الادارة الاميركية.
مثلما في دول اخرى، فان المباحثات التي ادت الى القرار بتشكيل الآلية تميزت بتوتر بنيوي بين عناصر الاقتصاد وعناصر الأمن: فبينما شددت عناصر الأمن، وعلى رأسها هيئة الأمن القومي على الخوف من النفوذ الاجنبي، من مخاطر امنية وبالاساس من المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، في المالية وفي الهيئات الاقتصادية يخشون من أن الرقابة المتشددة ستمس بالاستثمارات، وستهرب المستثمرين – بل ومن شأنها ان تؤدي الى “هجرة الادمغة”. وبالتالي، فان القرار يمثل نقطة توازن معينة بين اعتبارات الامن والاقتصاد.
ومع ذلك، فثمة عدة نقاط اختلاف بين اللجنة الاسرائيلية وبين موازياتها في الدول المتطورة. أولا، اللجنة في اسرائيل لن تعمل كجزء من التشريع في موضوع الاستثمارات الاجنبية، بينما تعمل لجان موازية، في الولايات المتحدة، استراليا، كندا والمانيا مثلا في اطار قانوني مختص بالاستثمارات الاجنبية. ثانيا، سيكون دور اللجنة في اسرائيل استشاري لواضعي الانظمة الادارية، بينما دور اللجان في الدول الغربية استشاري للقيادات السياسية العليا. ثالثا، بينما التقرير للجنة في اسرائيل سيكون على اساس تطوعي، في اللجان الموازية في الخارج يحل واجب رفع التقارير عن الاستثمارات الاجنبية، ولا سيما اذا جاءت من مصادر حكومية اجنبية، او ستؤثر على قطاعات اقتصادية معينة. ورابعا، لم ينشر اذا كانت اللجنة في اسرائيل ستفحص بشكل مختلف استثمارات اجنبية من هيئات تتحكم بها حكومات اجنبية. وذلك بينما لجان عديدة تعمل في الدول الغربية تفحص بشكل تلقائي الاستثمارات التي تأتي من حكومات اجنبية، او تقرر حدا ادنى من ذلك للفحص اذا كانت الاستثمارات مصدرها هيئات حكومية.
كما نشر، فان الشركات الاجنبية المعنية بالاستثمار في اسرائيل في مجالات المال، الاتصالات، البنى التحتية، المواصلات والطاقة ستحتاج الى اقرار من المنظمين الاداريين بذلك. يبرز في غيابه قطاع التكنولوجيا العليا وتبعاته. سياسة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا العليا الاسرائيل يوجد في توتر بين الرغبة في اجتذاب الاستثمارات الاجنبية وتشجيعها وبين المخاطر النابعة من التدخل والتحكم من عناصر اجنبية في التكنولوجيات المتقدمة. من جهة، فان استمرار النمو الاقتصادي الاسرائيلي منوط بقدر كبير بنمو قطاع التكنولوجيا العليا الذي يستند ايضا الى الاستثمارات الاجنبية من الدول المختلفة، بما فيها الصين. ومن جهة اخرى، فان مجال التكنولوجيا العليا هو ساحة معركة في المنافسة الاستراتيجية الجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي في اطارها تسعى الصين لأن تصبح في السنوات القادمة المتصدرة في الحداثة التكنولوجية، بينما تسعى الولايات المتحدة لحماية تفوقها، ضمن امور اخرى من خلال منع انتقال التكنولوجيات المتطورة الى الصين. اضافة الى ذلك، توجد تكنولوجيات مدنية مختلفة اليوم، ولا سيما العقل الصناعي، امن السايبر، معطيات الرجال الآليين، في المجال الغامض، لانها تنمو في البعد المدني ولكن تطبق ايضا في اغراض عسكرية.
وعليه، فمن جهة عدم ادراج قطاع التكنولوجيا العليا في اطار صلاحيات اللجنة يتناسب وتفضيل اللاعبين الخاصة في سوق التكنولوجيا العليا الاسرائيلي والوزارات الاقتصادية في الحكومة، غير المعنيين بتدخل حكومي في سياقات تجنيد المال من الخارج. ومن جهة اخرى، فإن تطلعات الصين في كل ما يتعلق بتطوير اقتصادها وفي طريقها لأن تكون قوة عظمى تكنولوجية محدثة هي تحد اقتصادي لاسرائيل في المدى المتوسط والبعيد. احد السبل للوصول الى هذا الهدف، كما جاء في خطة “صنع في الصين 2025″، هو شراء وتبني تكنولوجيات اجنبية وملاءمتها مع السوق الصينية، الامر الذي سيسمح بتنمية قاعدة معلومات محلية صينية. واضح من هنا ان الصين ليست فقط زبونا للتكنولوجيات الاسرائيلية وشريكا للاستثمارات في اسرائيل بل وايضا منافسا مباشرا لإسرائيل في كل ما يتعلق بمجالات الحداثة التكنولوجية ضمن امور اخرى في ظل تبني وتحسين التكنولوجيات التي مصدرها اسرائيل.
ان القرار بإقامة آلية للرقابة على الاستثمارات الاجنبية هو خطوة مهمة ولازمة، ولا سيما في ضوء المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين والرقابة المتصاعدة على الاستثمارات الصينية في أرجاء العالم الغربي. ومع ذلك من أجل ان تعمل هذه الآلية بشكل متوازن وناجع، على حكومة اسرائيل ان تعمل على عدة مستويات:
اولا، على اسرائيل أن تحدد بشكل واضح ومفصل ما هي القطاعات التي تحتاج لفحص اللجنة، وتلك التي لا تحتاج، وتلك التي توجد في المجال الغامض و/أو التي ستتطلب اعادة نظر بين الحين والاخر. مرغوب فيه التنسيق في ذلك مع الولايات المتحدة. وعليه، ففي عملية التحديث والتعديل، مرغوب فحص السبل لادارة المخاطر من احتمال التدخل الاجنبي في قطاع التكنولوجيا العليا، مثلما هو متبع في العديد من الدول في العالم. ولاحقا على اسرائيل أن تفكر باضافة معيار لفحص اعمق للاستثمارات الاجنبية من شركات تعود لحكومات اجنبية. احد الاهداف من هذه الالية هو تقليص خطر نشوء روافع اقتصادية وسياسية لدى حكومات اجنبية تمس باستقلال اسرائيل، سيادتها وحرية عملها. وبالتالي فان الرقابة الاوثق على الاستثمارات التي تتم من شركات حكومية ستحسن امكانية مواجهة هذه المخاطر.
ثانيا، كي تعمل اللجنة بشكل ناجع يجب التأكد من أن تتمكن محافل الامن والاستخبارات من الدعم المهني في عملها الجاري، ومن اجل توفير مشورة سليمة ومعمقة يجب تثبيت المعلومات لدى الهيئات الحكومية المختلفة بشأن العمل التجاري، الاقتصادي والاستراتيجي للاعبين الاجانب مع التشديد على الصين والتي يتسع وزنها في الاقتصاد العالمي وفي الاقتصاد الاسرائيلي.
ثالثا، يجب التأكد من أن تكون الآلية معفية من الاعتبارات السياسية وتسعى الى التوازن المناسب بين المخاطر الناشئة عن الاستثمارات الاجنبية وبين الرغبة في مواصلة السماح بسياسة استثمار ليبرالية تحسن للاستثمار الاسرائيلي. ولا يقل اهمية وجوب التأكد من ألا يكون عمل اللجنة عاملا معرقلا يضر بالاستثمارات الحيوية لاسرائيل والذي هو مدماك اساسي لامنها القومي.
وأخيرا، فضلا عن تشغيل الآلية المهنية لتنظيم الاستثمارات الاجنبية، على حكومة اسرائيل ان تثبت اجراءات الرقابة والإشراف على إدارة السياسة مع القوى العظمى.