عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Aug-2019

الوجود والمعنى - طارق البطاينة
 
الدستور - انك الآن موجود، لا يسمح لك بالمغادرة مع أنك لم تختر أن تكون موجوداً. إن السخرية والعدالة يحضران في هذا المعنى وبقوة؛ فالسخرية في كون الكل يعلم بأنك موجوداً ولكنك في مهمة لإثبات ذلك، ووجه العدالة هنا يكمن في حكمها على ما قدمته لتثبت أنك موجود ، أهوَ يرقى لمستوىً يجعلك تحظى بامتيازات من أثبت وجوده أم لا. قد يبدو الأمر معقداً قليلاً، ولكن من الجدية بمكان،  أن نعي حقيقة كوننا من الرئيسيات كبشر، وما يترتب على ذلك من فهم لأدوارنا المشتركة، وما أُوكل لمحورها -الإنسان- من مهام، فكل الممارسات البشرية التي نراها تشكل واقع الكثير منا اليوم، ما هي إلا انعكاس لمعرفتنا بما نقدر عليه، وما نحتاجه لتحقيق أهدافنا الخاصة الشخصية، ولكن تبقى دوافع تلك الممارسات مرهونة بمستوى الوعي الفردي والجماعي أيضاً بداعي ومبرر فعلها الحقيقي والسليم أصلاً، وهو كون كل واحد منا سفيراً للناس، أوكلت إليه مهمة تفعيل معنىً معين، وما يترتب على ذلك من تَبَنٍّ لأيديولوجيات من شأن مضمونها الفكري ومحتواها أن يخدم قضية ما. 
إن الواقع الفردي المشترك، ومستويات الوعي والرضى، هي التي شكلت ملامح قضايانا المختلفة. ولا ضير في وجود قضايا إصلاحية -مثلاً- تهدف إلى رعاية المسار الإنساني وإصلاح مكسوره، ولكن الخطأ يكمن في كونك «آلة» تمارس القضية من غير وعي بداعي فعلها الحقيقي والسليم كما سبق، مما يشكل خطراً على مقدار قوة اتصالك بها، ومدى دعمك لمبررات مشروعيتها بشكلها هذا. فقد يمارس أحدهم (التعلُّم) من غير دراية بحقيقة داعي ممارسته، فيبقى اتصاله به مرهوناً بمدى حاجته هو إليه تبعاً لمقتضيات الظرف، لا بأهميته كعنصر رئيسي في معادلة البقاء الإنساني. ومن المهم حقاً ذكره، هو أن منظومة القيم، ومستويات جودتها، هي من أهم ما يحدد استمرارية الحضارة ويكفل تقدمها بثبات أثناء شقها الطريق؛ لأن ما يعتبر قيمة يشكّل الدفاع عنه قضية، ونتائج تلك القيم في ميزان القوة والعملية والفضيلة هو ما يوجه المسير على المستوى المجتمعي، نحو الواقع المفترض بتلك المنظومة، ففقدانك لأي قيمة، هو فقدان العمل فيها ومن أجلها، وهو ما ندعوه بالقضية. 
وبشكلٍ عام، إن ما يعطي لوجودك معنى هو وجود قضية تدافع عنها. ويعد اتصالك بإنسانك هو من اعظم المحفزات على مواصلة العمل ضمن الإطار المختص باحتواء الصفات الإنسانية المشتركة، والتي تدفعك لخدمة الغير «كقضية». وتبقى المحفزات الطبيعية هي الأساس في التحرك نحو أي اتجاه، فمعرفتها والوعي بها وفهم طرق عملها والجوانب التي تختص بها أمر مهم للمضي قدماً بالشكل الصحيح، وبالتالي تحقيق الاستقرار الوجداني الذي يكفل عدم تخبط الفرد مسيرياً، ليجد نفسه غارقاً في معاني الانحطاط الإنساني بالتمحور حول النفس والأنا.