عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-May-2020

الفاقة تغتال أحلام أم عامر بتوفير قوت أطفالها اليومي

 

حنان الكسواني
 
عمان – الغد-  بالقرب من مسجد طارق بن زياد في جبل النظيف بعمان، تأخذك زقة ضيقة متعرجة إلى حارة شعبية، يقبع في نهايتها منزل الثلاثينية أم عامر (اسم مستعار)، الذي يشع منه رائحة النظافة التي غطت على رائحة فقرها المدقع والبؤس والشقاء بعد أن هجرها زوجها وتوفي والدها، سندها الوحيد.
غرفتان ومطبخ صغير، يلملم تحت سقفه (7 افراد) لوحدهم بلا أب معيل أو معونة وطنية شهرية تبعد عنهم شبح العوز والحرمان.
كل غرفة تحكي جدرانها حكاية، فالأولى فيها خزانة مهترئة بلا أبواب ولا رفوف، تتصارع بداخلها ملابس أولاد أم عامر المهترئة، التي تحاول برداء مزركش أن تخفي تفاصيل خزانتها مثلما أخفت عن الناس أوجاعها وجوعها.
أما الغرفة الثانية، باتت فارغة تماما من أي أثاث سوى “فرشات اسفنجية” وزنها مثل الريشة ملتصقة بالأرض ينام عليها أولادها ويدرسون فيها لوحدهم ويرسمون أحلامهم بجهاز حاسوب (كمبيوتر) ليتلحقوا مثل اقرانهم بموجة “تدريس عن بعد” في زمن انتشار فيروس كورونا المستجد.
مطبخها الصغير، فيه ثلاجة لم تغز أي لحوم بيضاء أو حتى حمراء مجمدة رفوفها قبل شهر رمضان الفضيل بشهور طويلة، متأملة أن ” تشعل غازها، وتطهو دجاجة واحدة مع الارز لأبنائها”، وأن تشتري مواد تموينية لعلها تتمكن من تحضير وجبة سحور تقوي أجسامهم النحيلة على الصيام.
“تلفوني أبو “لوكس”، ولا حزمة نت عليه وجهاز تلفزيون معطل فكيف أدرس أولادي؟، “تتسائل-بحرقة شديدة-أم عامر المصابة بسرطان في جسمها اكتشفه أطباء مستشفى البشير الحكومي قبل عامين.
رغم ألمها، الجسدي والنفسي، تقرفص أم عامر لتغسل ملابس أولادها في “لجن بلاستيكي” بعد أن تعطلت غسالاتها وتحولت إلى خردة، قائلة “الفقر هو السرطان الذي ينهش جسمي”.
طيلة الوقت كانت ابنتها ذات الـ10 أعوام تساعد والدتها في الأعمال المنزلية، لكنها توقفت بعد أن “انكسرت” يدها اليمنى وهي تصعد على درج منزلها المتأرجح، وفورا نقلتها كوادر مديرية الدفاع المدني الى مستشفى “البشير”، حيث كان ذلك خلال الحظر المنزلي الشهر الماضي.
تخاف الأم كثيرا على أبنائها من فيروس “كورونا” الذي قد ينتقل اليها ويضعف مناعتها، لكن البحث عن لقمة العيش “مرّة”، كما وصفتها أم عامر وعيناها غارقتان بالدموع.
في كل يوم تودع ابنها البكر (15 عاما)، قائلة له “اللهم أني استودعتك أغلى ما أملك فأحفظه بعينك التي لا تنام”، يتكرر ذلك كلما ذهب إلى “رحلة العيش” -كما أسمتها أم عامر- يجمع خلالها الخبز الجاف من حاويات القمامة ومن منازل متناثرة في منطقته (النظيف) مرورا بجبل المريخ وتحويله الى علف للدواجن .
تداعيات فيروس كورونا على هذه الأسرة “المعدومة” ليس صحيا فقط بل اقتصاديا، إذ قل انتاجها اليومي من الخبز الجاف الى “شوال بدلا من شوالين”، وتأثر دخلها الشهري لينخفض إلى 20 دينار بدلا من 40 دينارا كما كان قبل انتشار الوباء.
من جديد، تسلل الأمل لأسرة أم عامر بعد أن تمكنت السيارات من الحركة لعل وعسى أن تهتز قلوب بشر بيضاء لتشعر مع الفقراء والمهمشين، وتساعدهم في اشعال نار غازها ودفع فواتير كهرباء تراكمت عليها منذ عام وايجار شهري 100 دينار، ما يجعلها وأطفالها أن تشعر بأمان واستقرار.