عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jun-2022

إنشاء مجلس أعلى.. هل ينهض بالثقافة أم يشكل ازدواجية بالصلاحيات؟

 الغد-عزيزة علي

 تعددت الآراء حول أهمية وجود مجلس أعلى للثقافة والفنون، فهناك من أكد ضرورة تواجده للنهوض بالثقافة بمفهومها ومستوياتها الشاملة ورسم المشهد الثقافي الوطني وتقديم خطاب واضح الملامح. في حين وجد البعض الآخر أن المجلس الأعلى يعني سحب البساط من سلطة وزارة الثقافة وتعدد الصلاحيات وتضارب المصالح بعيدا عن التناغم والعمل الموحد.
ويرى مثقفون أن وجود مثل هذا المجلس يعد توحيدا للجهود الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل النهوض بالثقافة والفنون وفق إطار وطني واضح المعالم، وهو لا يتنافى مع أعمال وزارة الثقافة، بل يمكن أن تكون الوزارة الجسم التنفيذي للمشروع الثقافي، مع وضع استراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى لتنفيذ الرؤية الوطنية للمشروع الثقافي.
ويذكر أن تقرير حالة البلاد 2021 طالب بإنشاء مجلس أعلى للثقافة، ليكون بمثابة هيئة مستقلة تضم في عضويتها ممثلين للقطاع الثقافي الرسمي والخاص وتفعيل صندوق دعم الثقافة، وإيجاد حلول لتعظيم موارده وإدامته.
وزير الثقافة الأسبق د. صبري ربيحات، يرى أن المجالس العليا عادة تخرج السلطة الحاكمة الثقافية من الوزارة وتضعها في ذمة المشاركة الجماعية؛ حيث تصاغ السياسات والاستراتيجيات بصورة جماعية من قبل الهيئات والمؤسسات كافة وجميع المكونات التي تهتم وتعنى بالثقافة، وهذا ينسجم مع طبيعة العمل الإبداعي وإيجاد مناخات تساعد الجميع على النهوض بالحالة الثقافية.
وتحدث ربيحات عن تجارب المجالس في الأردن، قائلا “أخذنا بمثل هذه المجالس في الأردن ولكن لم تدم لأسباب عدة؛ أولها أننا لا نستوعب ولا نفضل أن يكون هناك آراء متعددة في إدارة الشأن الثقافي، في مجال شعر الغناء والكتابة والفنون بأنواعها”، معتقدا أنه ليس هناك متسع دائما لمثل هذه الخيارات.
وحول دور وزارة الثقافة في مثل هذا المشروع، قال ربيحات “إن وزارة الثقافة يمكن أن تكون الجسم التنفيذي والراعي الرسمي لمثل هذا المشروع الثقافي المهم”.
ومن جانبه، رأى رئيس لجنة الثقافة والشباب في مجلس الأعيان بسام حدادين، أن الهدف من وجود مجلس أعلى للثقافة والفنون هو توحيد الجهود الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة من أجل النهوض بالثقافة والفنون وفق إطار وطني واضح المعالم.
وأشار حدادين إلى أن مثل هذا الهدف “غير موجود أمام أي جهة مسؤولة، ولا أمام الوزارة أو الحركة الثقافية، فكل طرف يعمل على هواه دون تناغم ودون أولويات”.
وقال حدادين “إن وجود مثل هذا المجلس يفترض أن يكون مستقلا ولا يخضع للوصاية الرسمية ويمكن الحركة الثقافية والفنية من تحويل جهودها وخططها الى واقع حي وملموس يحفز المؤسسات المالية والشركات والأفراد على دعم هذا المشروع ويساعد على بناء ميزانية تمكنه من القيام بدوره”.
الأكاديمي د. غسان عبدالخالق، قال إنه ليس من أنصار المجالس العليا بوجه عام، والمجلس الأعلى للثقافة والفنون بوجه خاص، وذلك للأسباب الآتية: من الناحيتين الدستورية والقانونية، تمثل وزارة الثقافة الجهة التنفيذية صاحبة الولاية بخصوص الثقافة، وأي قصور يمكن أن ينسب لوزارة الثقافة على صعيد القيام بواجباتها، يعالج بالتصويب الإداري وليس باستحداث جسم إداري جديد. ويمكن لوزارة الثقافة أن تستحدث لجنة عليا تضطلع بمهام المجلس الأعلى، وخاصة على صعيد رسم السياسات.
ورأى عبدالخالق أن المجالس العليا التي تم تشكيلها بوجود وزارات مختصة، أضعفت الوزارات وأوجدت أزمة ازدواجية في الصلاحيات. فالانطباع العام السائد لدى الناس بخصوص المجالس العليا، أنها عبء إداري وشكل من أشكال الترهل والتنفيع، لافتا إلى أنه من العبث أن نتجه للمطالبة بمجلس أعلى لهذا القطاع أو ذاك، وبغض النظر عن الأسباب، لأن عدد المجالس على هذا النحو، سوف يفوق عدد الوزارات، في وقت يتطلب الحد من الترهل الإداري وضبط النفقات.
رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأسبق الفنان والناقد غازي انعيم، قال “إن وجود مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب ضرورة ملحة من أجل النهوض بالإبداع، ورعاية النشاطات والمهرجانات والمعارض، على أوسع نطاق، إضافة إلى إنشاء جوائز تمنح في الثقافة والفنون والآداب، وكذلك تشجيع القراءة وإصدار الكتب، إلى جانب إصدار المجلات المتخصصة في: الفن التشكيلي، والمسرح، والسينما، والموسيقا، والدراما. لا سيما أن هذه الإصدارات ستسهم في نشر الإنتاج الإبداعي الأردني على الصعيدين العربي والعالمي، وستسهم في تحسين وضع الكاتب الأردني.. كما أنها مهمة لناحية التوثيق وستكون مرجعاً للطلاب والدارسين والباحثين والنقاد”.
ورأى انعيم أن المجلس يعني وجود أمانة عامة للمجلس والعاملين فيه من المبدعين وأصحاب الاختصاص، وهي المسؤولة عن تطبيق سياساته وخططه ومشاريعه داخلياً وخارجياً، وستتحمل الأمانة أعباء تنمية وتطوير الإنتاج الفني والثقافي وتوفير المناخ المناسب للإنتاج الإبداعي وتسويقه.
الروائي والإعلامي أحمد الطراونة، رأى أن المشتغل بالعمل الثقافي في الأردن يدرك أهمية أن يكون هنالك مجلس أعلى للثقافة، حيث يأخذ على عاتقه رسم المشهد الثقافي الوطني، وتقديم خطاب ثقافي واضح الملامح، ويضع استراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى لتنفيذ الرؤية الوطنية للمشروع الثقافي، وبما لا يتعارض مع مهمات وزارة الثقافة التي تنفذ وترعى هذه السياسات وبإشراف من هذا المجلس ووفق ما يضع من خطط.
وأشار الطراونة إلى أن أهمية هذا المجلس تكمن في عملية التأسيس والتشكيل والهيكلة التي تعد بمثابة تحديد مسارات الفكرة والتجذير لها، فإذا ولدت الفكرة مشوهة حتما سيفشل المشروع، وإذا تم العمل على إنجاز الفكرة لتكون فكرة وطن وتحمل في طياتها أسباب النجاح، فإنها ستنجح برسم الاستراتيجيات وتحديد الأهداف، وإعادة الاعتبار للفعل الثقافي الذي بات جزرا متفرقة ليكون ضمن حاضنة واحدة.
وقال الطراونة “إن تشكيل مجلس أعلى للثقافة ومنحه موازنة، يعني أنه يستطيع رسم وإنجاز مشاريع مختلفة في النشر والترجمة والفنون بأشكالها من مسرح وغناء وموسيقا وتشكيل، والاهتمام بالشعر والقصة والرواية والتراث الوطني وغيرها، قد يسهم بشكل واضح في دفع المثقف الأردني والعربي للوقوف خلف هذا المشروع وإنجاحه، خاصة إذا ما تم إيكال المهمة إلى أصحاب الخبرة والتجربة، وغير ذلك سنبقى ندور في الحلقة نفسها”.
الروائي جلال برجس، يعتبر وجود مجلس أعلى للثقافة ضروريا؛ حيث يأتي من حاجة الثقافة بمفهومها ومستوياتها الشاملة للارتقاء بالمثقف وبمتلقي الثقافة، خاصة أننا نمر في هذه المرحلة بكثير من التعقيدات على مختلف الصعد. المجلس الأعلى للثقافة مطلب قديم وما تزال الحاجة ماسة إليه لنحظى باستراتيجية ثقافية واضحة.
ورأى برجس أن هذه الاستراتيجية من شأنها أن ترقى بالمثقف وبالتالي الخروج من التعامل معه كحمولة زائدة. وترتقي بالمجتمع الذي يواجه هذه الأيام كثيرا من التغيرات التي من شأنها أن تنتج ظواهر عديدة تعرقل مسيرة التنمية. لا يمكن لأي جهد جماعي أن ينجح من دون جهد مؤسسي ينظم هذا الجهد، ويرفده ماليا، وإعلاميا، بناء على خطة واضحة طويلة الأمد.