عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-May-2019

المسیحیون في رمضان - د. أحمد یاسین القرالة
الغد- ”نحن مسیحیون بثقافة إسلامیة“ من أكثر العبارات التي یرددھا أصدقاؤنا المسیحیون، یكررونھا في كل مناسبة یعلنون فیھا عن ھویتھم الدینیة التي ینتمون إلیھا، ویشعرون بالوقت ذاتھ بالفخر والتقدیر للثقافة الإسلامیة التي یعیشون في ظلالھا، ھذه الثقافة التي تحث على التسامح وتدعو إلى التماسك الأسري والترابط العائلي، وتجمع بین المادة والروح وتزاوج بین القیم الدینیة ومقتضیات الحیاة.
َوم ٍّ ن یراقب عادات وتقالید الأخوة المسیحیین یجدھا متأثرة إلى حد كبیر بالثقافة الإسلامیة والقیم
الدینیة، فھم یشتركون مع المسلمین في استعمال الكثیر من العبارات الدینیة التي ھي في أصلھا
عبارات ونصوص إسلامیة، ویقومون بالسلوكیات نفسھا التي یقوم بھا المسلمون التي لا تتعارض
مع ما یؤمنون بھ ویعتقدونھ.
ولما كان لرمضان طقوسھ الدینیة والاجتماعیة وجدنا المسیحیین یتأثرون بھا ویتفاعلون معھا، فھم
یتبادلون مع المسلمین التھنئة والتبریك بھذا الشھر، وینظرون إلیھ على أنھ شھر للطاعة والقرب من
الله تعالى، وھو موسم للترابط الأسري والتضامن العائلي تجتمع فیھ الأسرة كلّھا یومیاً لتناول طعام
الإفطار مع ما لھذا الاجتماع من أبعاد نفسیة ودلالات عاطفیة.
ولھذا الشھر عند المسیحیین حرمة خاصة، فلا تكاد تجد مسیحیاً یتناول الطعام والشراب في
الأماكن العامة، أو یخدش قدسیة ھذا الشھر أو یمس بمكانتھ الروحیة والوجدانیة احتراماً لعقیدة
المسلمین وتقدیراً لشعائرھم، فنجدھم یمتنعون اختیاریاً عن الأكل والشرب مع أنھم معذرون في ذلك باعتبار الصیام عبادة دینیة ھم غیر مكلفین بھا.
كما یحرص العدید منھم، وفي مقدمتھم أرباب الطوائف، وبسرور بالغ، على دعوة المسلمین لتناول
طعام الإفطار؛ لما لھذه الدعوات من أثر في توثیق الترابط الاجتماعي وتحقیق الوئام الدیني وتعزیز
قیم العیش المشترك، فیھیئون في ھذه الإفطارات كل ما یتعلق بمستلزمات طقوسھا الدینیة تماماً
كالمسلمین، ویتبادلون فیھا التھاني والتبریكات ویعلنون عن مدى الترابط الاجتماعي الذي یجمع
ُ الأسرة الأردنیة مسلمیھا ومسیحییھا، ویستجیبون في الوقت ذاتھ لدعوات الإفطار التي ی َدعون إلیھا من قبل المسلمین.
ومما یدل على تأثر المسیحیین بھذا الشھر الكریم أن الكثیر من العائلات المسیحیة یتغیر نظام
الطعام عندھا؛ حیث تتحول وجبتھم الرئیسیة إلى العشاء تزامنا مع إفطار المسلمین، وتعد أطعمة
رمضان ومشروباتھ وحلویاتھ ھي المفضلة لھم في ھذه الشھر الكریم.
وفي الأعوام الثلاثة المقبلة سوف نعیش حالة فریدة من الانسجام والتوافق الدیني یجتمع فیھا الصیام الإسلامي والمسیحي فیصبح المجتمع كلھ صائماً، تختلف الأسالیب والوسائل والطقوس ولكن الغایة واحدة. استطاع المسلمون والمسیحیون في ھذا البلد خلق حالة فریدة من العیش المشترك یمارسون فیھا -ولا ضیر في الاختلاف- ولكنھم لا یختلفون التنوع في ظل الوحدة، فھم وإن كانوا مختلفین دینیاً ّ على حب ّ الوطن والحرص على وحدتھ وترابطھ والابتعاد عن كل ما یعكر صفو تماسكھ أو أبداً یكدر مزاج تناغمھ.