عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jan-2020

الغرب بين العدالة الانتقامية وأوهام الديمقراطية - غيث التونسي

 

الجزيرة - يقال إن الحرب سجال وإن جبهة القتال إنما هي موطن الشرفاء والخونة في نفس الوقت. فالموت يشد قبضته على الخائن والشريف المدافع عن وطنه وعرضه هو الذي يقاتل حتى آخر رمق وحتى استعمال آخر رصاصة من سلاحه. إن المتأمل في مسارات وخبايا الأزمة السورية يستخلص العديد من الدروس العسكرية والاستراتيجية. لا يختلف اثنان على أن بشار الأسد ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في إزهاق الأرواح وقتل المدنيين، إلا أن أفواه الحقوقيين لا تكاد تغلق في شان الملف السوري وهو أمر نثني عليه بقدر ما نستغربه للأسباب الأتي ذكرها.
 
هل يعلم أباطرة حقوق الإنسان كم قتل الجيش الأمريكي من الأرواح في أفغانستان وكم يتّم من طفل هناك وكم دمر من منزل وكم هجّر من عائلة فقيرة. هل يمكننا الحصول على إحصاءات رسمية حول عدد الأطفال الفلسطنيين الذين سقطو شهداء في الحرب الأخيرة على غزة ومن يعلم كم دمر الجيش الصهيوني من منزلا وكم قتل الجيش الروسي من مدنيا في الشيشان. إبان غزو العراق هل تم اقتياد جورش بوش إلى محكمة العدل الدولية لمحاسبته على كل ما فعل في العراق وأفغانستان. هل تم فتح تحقيق قضائي دولي حول أحداث غزو الفلوجة حيث تم سحل وتشويه جثث المواطنين في الشارع وتم قصف الفلوجة عن بكرة أبيها في الليل على حين غرة.
 
تلك هي السياسة الديبلوماسية الدولية الحديثة بأفكار رجعية وأهداف يريدون لنا ان نراها ديمقراطية. يبقى العنصر الأهم من كل هذه السياسات الغير عادلة هو مدى جدية التيارات السياسية المناهضة للقالب الديبلوماسي التقليدي
من يدري كم مواطنا ليبيا سقط إثر الغارات الجوية على طرابلس وعدة مدن ليبية. اتقتصر المحاسبة التاريخية والقضائية على "صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الاسد وعبد الله صالح" والقائمة تطول. ألا يوجد قصاص ومحاسبة صارمة لصناع القرار في الغرب أم هي مسالة مقايضة. يبدو أن السياسة الدولية قد ركزت مؤسسات قضائية أممية لاستهداف أشخاص بعينهم وإلا إن كان هناك نية صادقة في محاسبة مجرمي الحرب لتم اقتياد العديد من الرؤساء الغربيين السابقين إلى السجن. عن أي عدالة دولية نتكلم إن كانت أصلا قد تم حبكها على المقاس وهي تجسد فقط الة للتشفي والانتقام من كل قائد يغرد خارج السرب.
 
إذا كان هناك منطق سائد وهو اللاعدالة لكل من يتجرأ على اتباع معسكر السوفيات قديما ويتم استهدافه وشعبه عسكريا وأيديولوجيا في غياب محاسبة لكل من تسبب في كوارث إنسانية ومجازر دموية إلا أن انتمائه للمعسكر الغربي الذي يتحكم بمجلس الأمن والأمم المتحدة وكل الموسسات الدولية ذات السيادة والتاثير مكنه من الإفلات من العقاب. بيد أن سياسة المكيالين تصطدم بواقع صعود عدة قوى من شانها أن تغير منطق الأمر الواقع في ظل نمو صاروخي لعدة موسسات إقليمية ودولية موازية قد تعدل ميزان النفوذ. لذلك فإن سياسة "المكيالين" ونهج العدالة "الانتقائية" يعزز قطعا منطق الإفلات من المحاسبة فكأننا بمشهد سريالي يسجن فيه المظلوم ويكرم فيه الظالم لا لشيء إلا لأن الظالم من وجهاء القوم وينحدر من سلالة فائقة النفوذ على كل الأصعدة.
 
تلك هي السياسة الديبلوماسية الدولية الحديثة بأفكار رجعية وأهداف يريدون لنا ان نراها ديمقراطية. يبقى العنصر الأهم من كل هذه السياسات الغير عادلة هو مدى جدية التيارات السياسية المناهضة للقالب الديبلوماسي التقليدي خاصة أن دول كروسيا وإيران والصين تسعى لكسر أغلال السجن الرأسمالي بكل مظاهر إشعاعه في جميع المجالات. جهود يرى البعض أنها تصب في خانة "المقاومة المتادلجة" ويبدو أن الأمريكان وحلفائهم قادمون على مواجهة عسكرية وديبلوماسية مع هذا المعسكر الثائر الذي استطاع الدفاع عن "بشار الأسد" حتى رحيل آخر جندي أمريكي. كل هذه المفارقات المحورية ساهمت في إذكاء مشاعر القومية والثورية لدى فئات كثيرة من المجتمع خاصة الفئات التي تناهض الفكر الاستعماري وتاريخه الملطخ بالدماء في عدة أقطار من العالم. إن سياسات النفوذ العسكري الغير مبرر ساهم كذلك في تنامي مشاعر الحقد والكراهية تجاه من تسول له نفسه النبش عن حطام سفينة الماضي بكل مآسيها وأحزانها.