عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Mar-2023

هل تعيد الكنيسة الكاثوليكية النظر في تحديد النسل؟

 الغد-بيتر سِـنجر

 
ملبورن ـ تُـرى هل من الوارد أن تكون الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على استعداد لإعادة النظر في حظرها لاستخدام وسائل منع الحمل؟ الواقع أن حقيقة شعور محافظين كاثوليك بارزين بالحاجة إلى التحدث علنا ضد مثل هذا الاحتمال تعطينا بعض الأساس للاعتقاد بأن حركة من أجل التغيير تجري الآن داخل الكنيسة ذاتها، وتحت حماية البابا فرانسيس.
قال علماء اللاهوت من زمن توما الأكويني إن التدخل في الاتصال الجنسي لمنع الإنجاب لهو سوء استعمال للأعضاء التناسلية البشرية، وبالتالي فهو خطأ. كما عارَضَ باباوات سابقون استخدام وسائل منع الحمل.
مع ذلك، كان تطوير وإطلاق موانع الحمل التي يمكن تناولها فمويا في عام 1960، وما أعقب ذلك من أدلة تشير إلى أن العديد من الأزواج الكاثوليك كانوا يستخدمون وسائل منع الحمل، أشعل شرارة بعض الدعوات داخل الكنيسة لإعادة النظر في الحظر. ردا على ذلك، أنشأ البابا يوحنا الثالث والعشرون لجنة بابوية معنية بمسألة تحديد النسل، لكن الأجل لم يمهله ليرى اللجنة تكمل عملها. بدلا من ذلك، أرسلت اللجنة إلى خليفته البابا بولس السادس تقريرا أشار إلى أن الكنيسة كانت تسمح للأزواج بالفعل بحساب أيام دورة المرأة التي لا يمكن فيها حدوث الحمل وقصر الاتصال الجنسي على تلك الأيام.
أضافت اللجنة إلى هذه الملاحظة: “من الطبيعي أن يستخدم الرجل مهارته من أجل أن يضع تحت سيطرته البشرية ما تمنحه إياه الطبيعة المادية”، وخلصت إلى أن منع الحمل مسموح به إذا كان جزءا من “علاقة منظمة للإخصاب المسؤول”. ولم يلق تقرير الأقلية الذي أوصى بعدم تغيير تعاليم الكنيسة الدعم إلا من أربعة من أعضاء اللجنة الاثنين والسبعين.
لهذا، فوجئ معظم الكاثوليك عندما نشر بولس السادس في عام 1968، بعد عامين فقط من تلقي تقرير اللجنة، رسالته البابوية Humanae Vitae (عن حياة الإنسان)، التي ذَكَـرَت نصا أن “أي عمل، سواء كان قبل أو أثناء أو بعد الاتصال الجنسي، بقصد منع الإنجاب” يُـعَـد “مستبعدا قَـطعا كوسيلة شرعية لتنظيم عدد الأطفال”.
الواقع أن مجرد وجود هذا المنشور البابوي (Humanae Vitae) وبقائه دون أي تعديلات تحريرية، كان راجعا إلى وفاة البابا المبكرة. كان البابا يوحنا الثالث والعشرون من المصلحين، وهو الذي دعا إلى انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني من أجل إعادة النظر في عدد من الممارسات الكنسية. ولو امتد به العمر لفترة أطول، فربما كان ليقبل وجهة نظر الغالبية العظمى من أعضاء اللجنة التي أنشأها.
لولا وفاة يوحنا بولس الأول، خليفة البابا بولس السادس الذي توفي بعد 33 يوما فقط من انتخابه، فلربما ما كان الحظر الصارم لاستخدام وسائل منع الحمل ليظل باقيا دون تغيير. الواقع أن البابا يوحنا بولس الأول قبل انتخابه، عندما كان المطران ألبينو لوسياني، كان ميالا إلى تفضيل وجهة نظر أكثر ليبرالية لمنع الحمل، حيث كتب أن البروجسترون الـمُـصَـنَّـع يمكن استخدامه “لإبعاد المسافة الزمنية بين الولادة والأخرى، من أجل إراحة الأم، والتفكير في مصلحة الأطفال المولودين بالفعل، أو الذين سيولدون”.
يعتقد المحافظون الكاثوليك أن المنشور البابوي Humanae Vitae حسم بشكل دائم مسألة استخدام وسائل منع الحمل لتجنب الحمل، على الرغم من الأحداث غير المتوقعة التي أثرت على إصداره وبقائه. إذا كنت على استعداد للاعتقاد بأن الرب يُـبـلِـغ الحقيقة إلى الباباوات، فربما تؤمن أيضا بأن الرب يعمل بطرق غريبة.
ولكن في العام الماضي، أثيرت الشكوك حول استمرارية عقيدة الكنيسة، عندما أصدرت الأكاديمية البابوية للحياة “أخلاقيات الحياة اللاهوتية” (Etica Teologica della Vita)، وهو مجلد باللغة الإيطالية يتألف من أكثر من 500 صفحة جمع بين أوراق من ندوة والنص الذي خدم كأساس للمناقشة. يقترح بعض كبار علماء اللاهوت الكاثوليك الذين ساهموا في المناقشة أن استخدام وسائل منع الحمل في بعض الظروف قد لا يكون خاطئا.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اجتمع المحافظون الكاثوليك في مؤتمر استضافته مدينة روما للرد على ذلك المنشور. ألقى جون فينيس، أستاذ القانون والفلسفة القانونية الفخري في جامعة أكسفورد وأحد كبار أنصار نهج القانون الطبيعي في التعامل مع الأخلاق، محاضرة بعنوان “عصمة تعاليم الكنيسة بشأن منع الحمل”، حيث ساق الحجج ليس فقط لصالح أطروحة العنوان، بل زعم أيضا أن الدفاع عنها يشكل “عنصرا لا ينفصل ولا يمكن الرجوع عنه بالدليل في التمسك بالإيمان الكاثوليكي على أنه حقيقي”. بعبارة أخرى، يتوقف المرء عن التمسك بالإيمان الكاثوليكي إذا سمح حتى بالتشكيك في العقيدة.
تُـرى أين يترك ذلك البابا فرانسيس؟ عندما سأله أحد الصحافيين ما إذا كان منفتحا على إعادة تقييم عقيدة الكنيسة فيما يتعلق بوسائل منع الحمل، أجابه قائلا إن ذلك السؤال “جاء في الوقت المناسب تماما”. وألمح إلى أنه من الخطأ منع علماء اللاهوت من مناقشة أي موضوع، لأنك “لا تستطيع أن تتناول اللاهوت بتقديم الرفض مسبقا”. وفي إشارة خاصة إلى منشور “أخلاقيات الحياة اللاهوتية” (Etica Teologica della Vita)، قال: “أولئك الذين شاركوا في هذا المؤتمر قاموا بواجبهم، لأنهم سعوا إلى التقدم في العقيدة”.
إذا كان فينيس مصيبا، فقد يبدو أن البابا ليس كاثوليكيا، ومعه أيضا كثيرون. وفقا لاستطلاع للآراء في عام 2014، فَـضَّـلَ أكثر من 90 % من الكاثوليك في بلدان ضمت فرنسا والبرازيل وإسبانيا والأرجنتين وكولومبيا استخدام وسائل تنظيم النسل، كما يشير استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2016 إلى أن 13 % فقط حتى بين الكاثوليك المواظبين على حضور القداس أسبوعيا يقولون إن منع الحمل خطأ من الناحية الأخلاقية. وإذا كان فينيس على حق، فإن هذا يعني أن عدد الكاثوليك الحقيقي أقل كثيرا مما يتصور أغلب الناس.
صحيح أن رأي الأغلبية لا يحدد الصواب والخطأ، ولكن في هذه الحالة، تتوفر أسباب وجيهة تحملنا على الاعتقاد بأن غالبية أولئك الذين يعتبرون أنفسهم كاثوليك على صواب حقا. لقد تأخرنا كثيرا في الانفصال عن نظرة للجنس والإنجاب تمتد جذورها إلى تصورات للقانون الطبيعي تعود إلى العصور الوسطى.
 
*بيتر سِنجر أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة برينستون، وهو مؤسس المنظمة الخيرية “الحياة التي يمكنك إنقاذها”. من بين مؤلفاته: “أخلاق عملية”، و”إعادة النظر في الحياة والموت”، و”الحياة التي يمكنك إنقاذها”، و”أعظم الخير الذي يمكنك تقديمه”، و”الأخلاق في العالَـم الحقيقي”.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.