الغد
ألون بن مئير* - (مدونة بن مئير) 2025/8/25
لا يملك الحزب الديمقراطي متسعًا من الوقت؛ وعليه استخدام كل أداة مشروعة لإيقاف ترامب. وسوف تُظهر نتائج انتخابات منتصف المدة التي ستُجرى العام المقبل ما إذا كان الحزب الديمقراطي يمتلك المؤهلات اللازمة لإنقاذ الأمة من انزلاق ترامب نحو الهاوية أم لا.
يواجه الحزب الديمقراطي الآن اختبارًا حقيقيًا لأهمية دوره لمدى الحياة. ويترتب عليه الآن أن يُقدم أجندة اجتماعية واقتصادية وسياسية مُقنعة تعكس احتياجات وتطلعات أولئك الذين تخلوا عن الحزب. وسوف تحدد انتخابات منتصف المدة مصير الديمقراطيين؛ فإما أن يكونوا أو لا يكونوا. وإذا فشلوا في تحقيق الأغلبية في الكونغرس، فإن الكارثة التي تسبب بها ترامب خلال الأشهر الثمانية الأولى من ولايته ستتضاءل مقارنة بالضرر الذي سيُلحقه خلال الأشهر الأربعين التالية من رئاسته.
فاز ترامب بالتصويت الشعبي تحديدًا لأن الناخبين السود واللاتينيين وأبناء الطبقة المتوسطة صوتوا له بأعداد أكبر من العام 2020، أو قرروا البقاء في منازلهم وعدم المشاركة. كانوا يشعرون بالتهميش والحاجة إلى النضال مع احتمال ضئيل أو معدوم لانتشال أنفسهم من الكساد الذي يواجهونه. وقدّم لهم ترامب رواية مقنعة بوعود لم يكن ينوي الوفاء بها قط، وكان ذلك بمثابة موسيقا تُطرب آذان الأميركيين المحبطين الذين أرادوا أن يعرفوا أن هناك من يستمع إلى نضالاتهم.
هناك ثلاثة أمراض رئيسية ابتلي بها الحزب: غياب القادة الشباب ذوي الرؤية والفصاحة؛ وغياب أجندة اجتماعية واقتصادية مقنعة تستجيب لاحتياجات الجمهور وتطلعاته؛ وأخيرًا، عدم القدرة على الالتفاف حول أجندة موحدة قائمة على القضايا.
الحاجة إلى قادة جدد
يمر الحزب الديمقراطي بمرحلة حرجة لا يمكن أن تكون فيها المخاطر أكبر. وهناك حاجة ماسة إلى قادة جدد متحمسين لمواجهة ترامب في أعقاب هجومه الشرس على الديمقراطية، والفساد، وسياساته التضخمية، وإهماله للطبقتين المتوسطة والفقيرة.
على الصعيد الوطني، يقدم حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، مثالًا على نوع القائد الوطني الذي يحتاجه الديمقراطيون بشدة. إنه حاسم، فصيح، وصاحب رؤية، ويمتلك الشجاعة لمواجهة ترامب في كل منعطف. ولم يكتفِ نيوسوم بالحديث عن انتهاك ترامب للدستور، وتجاوزاته، وسوء تصرفاته، بل قدم أيضًا بدائل لسياساته الداخلية والخارجية الصارخة. وهو يدعو كل ديمقراطي إلى مواجهة النار بالنار، وتحدي كل أمر من أوامر ترامب التي تؤثر سلبًا على الشعب الأميركي.
ومن بين القادة الديمقراطيين الشباب نسبيًا الذين برزوا على المستوى الوطني حاكم ولاية إلينوي، جيه. بي بريتزكر، الذي يعد من أشد منتقدي ترامب. وعلى النقيض من ترامب، يركز بريتزكر على النمو الاقتصادي للطبقتين المتوسطة والدنيا، ومعالجة تغير المناخ، وتوسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية. وبدوره، كان السيناتور كريس مورفي من ولاية كونيتيكت، صريحًا في معارضته لترامب، مشيرًا إلى الأهمية الحاسمة لتدابير الأمن المالي وتحسين خدمات الصحة النفسية ومعالجة مخاوف تغير المناخ. كما أن السيناتور كوري بوكر من ولاية نيوجيرسي هو قائد صريح آخر وأحد أشد منتقدي ترامب، والذي يُركز على إصلاحات العدالة الجنائية ومبادرات الفرص الاقتصادية.
وعلى المستوى المحلي، يعد زهران ممداني الذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك من الجيل الجديد من القادة الذين يجب على الديمقراطيين الترحيب بهم. إنه يمثل جيلًا جديدًا من الديمقراطيين، وهو ما تحتاجه مدن كثيرة في جميع أنحاء البلاد. صحيح أنه شاب وغير مُجرّب، لكنني أفضل شخصاً بخبرة محدودة لمواجهة المؤسسة القديمة على ديمقراطيين من الحرس القديم، من المتمسكين بسياسات منتهية الصلاحية.
وصل ممداني إلى القمة بعد أن أمضى أشهرًا في لقاءات فردية مع أولئك الذين يشعرون بالاشمئزاز من المؤسسة القديمة، مُنصتًا إلى احتياجاتهم وتطلعاتهم إلى تغيير بنّاء لتحسين حياتهم، وهو ما أهمله الحزب الديمقراطي.
أجندة ديمقراطية متجاوبة
يتعين على الديمقراطيين حشد المجتمع المدني والجماعات الدينية والنقابات -ليس لانتقاد سياسات ترامب الخارجية والداخلية البائدة فحسب، بل لتقديم بدائل عملية تعود بالنفع الكبير على عامة الناس.
الرسوم الجمركية
أثبتت رسوم ترامب الجمركية التعسفية فعاليتها في جلب نتائج عكسية. وكان من بين عواقبها السلبية الأخرى أنها رفعت تكاليف السلع المستوردة على المستهلكين الأميركيين، وأدت إلى فرض رسوم جمركية انتقامية من دول مختلفة، وأضرت بالصادرات الأميركية، وعطلت سلاسل التوريد العالمية وتخطيط الأعمال، ووتّرت العلاقات الدبلوماسية مع حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين وشركائها التجاريين.
ينبغي على الديمقراطيين أن يوضحوا علنًا وبشكل متكرر أنهم سيتراجعون عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب -أو يخفضونها- لخفض التكاليف على المستهلكين وتخفيف الضغط على المستوردين. وعليهم أن يتعهدوا بتعزيز العلاقات التجارية والتفاوض على اتفاقيات تجارة عادلة جديدة لتسهيل العلاقات الدولية ومساعدة المصدرين، وتقديم إغاثة محددة أو دعم مؤقت للصناعات المتضررة بشدة من الرسوم الجمركية لمساعدتها على التعافي، وتعزيز السياسات التي تشجع الإنتاج والابتكار المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات.
الهجرة
يصعب تفسير الآثار الوخيمة التي خلفتها سياسة ترامب في الهجرة على الشركات الأميركية، ناهيك عن عواقبها الإنسانية المروعة. فقد أدت هذه السياسات إلى نقص في العمالة في القطاعات التي تعتمد على العمال المهاجرين، مثل الزراعة، وأساءت إلى سمعة الولايات المتحدة العالمية بسبب المزاعم عن المعاملة اللاإنسانية. وأصبحت الإجراءات القانونية الخاصة بالهجرة أكثر تراكمًا وتعقيدًا، مما أثر سلبًا على مجتمعات المهاجرين. وقد أُلقي القبض على مهاجرين بعد حضورهم جلسات محاكم الهجرة المقررة، مما يثبط عزيمتهم على التفاعل مع الخدمات العامة خوفًا من الترحيل.
يتعين على الديمقراطيين إشراك الجمهور في مناقشة ما سيفعلونه بشأن الهجرة بمجرد عودتهم إلى السلطة من خلال اتخاذ تدابير عدة، بما في ذلك: لم شمل الأسر المشتتة، وتقديم الدعم والخدمات لمعالجة الصدمات النفسية، وتبسيط وتحديث إجراءات الهجرة القانونية لتقليل التراكمات واستعادة الحماية للمستفيدين من برنامج "تأجيل الإجراءات للقادمين في مرحلة الطفولة" DACA، وإيجاد مسار للحصول على الجنسية والتعاون مع الشركاء الدوليين لإعادة بناء سمعة الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وتوفير مسار قانوني وتأشيرات عمل لتلبية احتياجات سوق العمل والحد من النقص. لقد تم بناء هذا البلد على المساهمات متعددة الجوانب للمهاجرين من جميع أنحاء العالم، والتي جعلت أميركا عظيمة وفريدة من نوعها، وينبغي لها أن تستمر في احترام هذا التراث.
العمل وفق أجندة قائمة على القضايا
ستكون معركة استعادة الديمقراطيين للسلطة شاقة بعد أن تكدست فرص الحزب الضائعة لسنوات عديدة. ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن "الحزب الديمقراطي يعاني من فقدان حاد للناخبين حتى قبل ذهابهم إلى صناديق الاقتراع. ومن بين الولايات الثلاثين التي تتابع تسجيل الناخبين حسب الحزب السياسي، خسر الديمقراطيون أرضًا أمام الجمهوريين في كل ولاية بين انتخابات العام 2020 والعام 2024 -وغالبًا بفارق كبير. ويضيف هذا التحول نحو الجمهوريين على مدى أربع سنوات ما يصل إلى 4.5 مليون ناخب، وهي ثغرة سياسية عميقة قد يحتاج الديمقراطيون إلى سنوات للخروج منها".
وهكذا، لا يملك الديمقراطيون وقتًا كافيًا لإضاعته؛ عليهم إعادة تنظيم صفوفهم والتحرك بشأن قضايا ليست بالضرورة يسارية، بل شعبية، ويحتاجها الجمهور، حتى لو كانت تقع خارج سياسات الحزب الديمقراطي التقليدية. وفي المقابل، يجب على الديمقراطيين الالتزام ببرامج عامة محددة تعد "يسارية". وسيشمل ذلك برنامجًا للرعاية الصحية الشاملة، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي تجذب شريحة واسعة من الناخبين، وخلق فرص عمل مع معالجة تغير المناخ.
ينبغي على الديمقراطيين أيضًا تبني برامج وسطية، بما في ذلك توسيع مبادرات الإسكان الميسور، وتأسيس شراكة خاصة لبناء المزيد من المساكن لذوي الدخل المتوسط، وتخفيف أزمة القدرة على تحمل التكاليف في المدن والضواحي. ولتعزيز جاذبية الديمقراطيين لدى الجمهور، ينبغي عليهم أيضًا تبني برامج التدريب المهني وبرامج التلمذة الصناعية لتعزيز فرص العمل من دون توسيع البرامج الحكومية، وتعزيز أمن الحدود بالتزامن مع تبسيط إصلاحات الهجرة القانونية.
بحلول العام 2026، سوف يشكل الجيلان؛ جيل زد وجيل الألفية، ما يقرب من نصف الناخبين المؤهلين. وهما الجيلان الأكثر تنوعًا، واللذان يميلان إلى التوجه التقدمي في القضايا الرئيسية. وهما يستهلكان معظم أخبارهما من الإنترنت، وهما أكثر عرضة للتضليل الإعلامي الناتج عن الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي. يجب على الديمقراطيين تشكيل فرق استجابة سريعة وتتبع الدعاية وتثقيف الناخبين للتعرف على المحتوى المُضلل ومقاومته.
وأخيرًا، طلب ترامب الذي يخشى من خسارة الجمهوريين لمجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، من حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، إعادة رسم الخريطة الانتخابية للولاية لكسب 4-5 مقاعد إضافية للحزب الجمهوري. ينبغي على الولايات الديمقراطية، مثل إلينوي ونيويورك، أن تحذو حذو نيوسوم في إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية ردًا على ذلك. وقد أرسل المجلس التشريعي لولاية كاليفورنيا بالفعل مشروعي قانون لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى نيوسوم، ووقع عليهما مؤخرًا. وسوف يعوض هذان القانونان معًا أي مكاسب قد تجنيها ولاية تكساس من إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، هذا إن لم يتجاوزاها. وعلاوة على ذلك، سيتعين على الديمقراطيين الاستعداد لتحدي الأمر التنفيذي المعلق الذي وقعه ترامب والقاضي بحظر التصويت عبر البريد الذي يصب في مصلحة الديمقراطيين، ولكن بشكل رئيسي لأن التصويت عبر البريد يقع ضمن اختصاص الولايات.
لا شك في أن على الديمقراطيين الاستفادة من تنامي مشاعر السخط العامة على سياسات ترامب التي تمزق هذا البلد. وتتيح انتخابات التجديد النصفي في العام المقبل فرصة ذهبية لقلب أحد مجلسي الكونغرس على الأقل لإيقاف ترامب عن مساره. وإذا فشل الديمقراطيون في القيام بذلك، فسوف يتحملون العواقب الوخيمة الناتجة عن ذلك.
*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية، عمل سابقا في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك وزميلًا أول في معهد السياسة العالمية. وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان، والمفاوضات الدولية، وحل النزاعات. خلال العقدين الماضيين، شارك بشكل مباشر في مفاوضات سرية عدة تضم إسرائيل والدول المجاورة وتركيا. ألّف اثني عشر كتابًا تتعلق بالشرق الأوسط ويعمل حاليا على كتابين جديدين عن سورية وتركيا. يحمل بن مئير درجة الماجستير في الفلسفة ودكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد.