طموحات فتيات قيد الانتظار.. وأهال يربطونها بزوج المستقبل
مجد جابر
عمان-الغد- ” بكرة بيجي اللي يحقق كل أحلامك”، “أجلي كل شي بدك تعمليه لييجي شريك العمر”، “استني لتتزوجي أول وبعدها تعملي اللي بنفسك”، “ما بينفعك إلا زوجك وبيتك هذا اللي فكري فيه”.. تلك بعض من عبارات يقوم كثير من الأهالي باطلاقها على مسامع البنات منذ صغرهن. وتصب معظمها بأن تحقيق الأحلام والرغبات حتى أبسطها مرتبطة بزوج المستقبل، وأن عليها تأجيل كل شيء بانتظار فرصة الزواج كي تنطلق بعد ذلك وتحقق ما تريده.
هذه الفكرة أو النظرة، جعلت كثيرا من الفتيات يربطن تحقيق الأحلام بالزوج المستقبلي ما جعلهن يقفن “عاجزات” أمام القيام بما يحقق ذواتهن وانتظار “المصباح السحري” الذي سيحقق لهن كل ذلك، غير أن الواقع قد يكون بعيدا كل البعد عن هذه الفكرة التي يغرسها الأهل بهن.
ذلك تماماً ما حدث مع رنا علي التي بدأت تسمع هذه العبارات منذ دخولها سن المراهقة، وربط كل شيء الى ما بعد الزواج، وكأنه الباب الذي سيخرجها للحياة، وتحقق كل رغباتها من خلاله، مبينة أنها حتى عندما وصلت عمر الثامنة عشر وقررت أن تحقق شيئا لذاتها وتتعلم القيادة، تفاجأت برد عائلتها بأن تلغي الموضوع تماما وتؤجله الى ما بعد الزواج، وأن أي شيء ستقوم به لنفسها سيكون بعد هذه الخطوة ليس قبل.
رنا لا تعرف السبب وراء هذا التفكير السلبي، لافتة أن سن الزواج لدى الفتيات قد تغير فهل ستنتظر كل ذلك الوقت وتقف عاجزة بانتظار “محقق الأمنيات”، وماذا سيحدث إذا لم تتزوج هل ستوقف حياتها على هذا الاحتمال!
ما حصل مع رنا لا يقل أهمية عما حدث مع العشرينية هبة عوض، والتي ربطت كل حياتها بسبب أهلها، بزوج الأحلام ووضعت توقعات عالية جدا، لتتفاجأ بعد الزواج بأن كل ذلك كان مجرد أمنيات ليس لها علاقة بالواقع، وأن ما انتظرته طويلاً ليحقق لها كل ماتتمناه، مجرد “أوهام”.
تقول هبة “قبل الزواج حينما كنت أرغب القيام بشيء حتى على مستوى الذهاب في رحلة معينة كانوا يجاوبون كل طلباتي بالرفض وتأجل كل ذلك الى ما بعد الزواج، حتى عندما طلبت ان أكمل دراستي رفضوا لذات الأسباب وانني في بيت زوجي سأقوم بكل ما أريد”.
وتضيف بعد الزواج تفاجأت بواقع مختلف تماما، فالمسؤولية والأبناء لم يتركوا لي مجالا للقيام بأي شيء لنفسي، إلى جانب أن “وضع زوجي المادي لا يسمح له بدفع مصاريف اخرى لدراستي”.
كل تلك الأمور والمسؤوليات “حطمت” أحلام هبة التي كانت قد أجلتها الى ما بعد الزواج كما زرع أهلها بعقلها، مبينة أنه لو عاد بها الزمن لن تقف مكتوفة الايدي على الاطلاق وستحقق كل شيء تريده بنفسها دون أن تنتظر أحدا.
وتذهب دكتورة الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية سلمى البيروتي، أن هذا تفكير خاطئ، تحديدا حينما يتعمد الآباء بأسلوب التربية اقناع الفتاة بأن مستقبلها بالزواج والانجاب فقط، وبالتالي يصور لها الرجل بأنه المنقذ ومحقق الاحلام كما في القصص الخيالية.
وتضيف البيروتي أن ذلك يقضي على فكرة تحقيق الابنة لذاتها ومستقبلها دون الاعتماد على زوج مستقبلي قد لا يحقق لها ولا جزءا مما حلمت به، خصوصا عندما تنصدم بالواقع كثيراً، مبينة أن الرجل بدلا من أن يشعر بالفخر بانه ارتبط بفتاة لها شخصية مستقلة واجتهدت وتعبت على ذاتها، يتفاجأ بواحدة لا تعرف شيئا وهذا يؤثر على القيمة والكيان والأهمية للرابطة بين الزوجين. لذلك، ووفق البيروتي، هذا الاسلوب بالتربية خاطئ، ويعطي شعورا بالعجز لدى الفتاة، وأنها مضطرة لتأجيل الأحلام، مبينة أنه لا بد أن المرأة تدخل على مؤسسة الزواج ولديها شخصية متفردة بذاتها، وأن تكون عائلتها داعمة لها في النمو الاجتماعي والنفسي والمالي والوظيفي، لكي تجد نفسها وتضيف للشريك.
وتعتبر البيروتي أن العائلة ومن دون أن تدرك بأحيان كثيرة، تلغي هوية الفتاة، وهذا التأثير سيولد لديها خيبة أمل كبيرة جداً، خصوصا عندما تنصدم توقعاتها مع الزوج الذي لم يلتفت لذلك الجانب.
وترى أن حلم الفتاة يتحقق بقدر ما تهتم هي بذاتها ومستقبلها، فلا يمكن لشخص أن يأتي ويمنحك حلما وحياة، مبينةً أن هذا ما يجب على الأهل أن تربية الفتيات عليه وليس العكس على الاطلاق.
الاستشاري الاجتماعي ومدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان، يستغرب من بعض الأسر التي تغرس عند الابنة فكرة الزواج من “فتى الأحلام” الذي يحقق لها كل ما تريد ماديا ومعنويا، وتبقى هي تنتظر تحقيق الحلم وتعيش في الخيال والاحلام بعيدا عن الواقع، وتمر السنوات ويتقدم العمر دون تحقق الحلم.
ويضيف؛ تكتشف الفتاة بعد سنوات انها تقدمت في العمر وان عليها ان تكون أكثر واقعية، والبعض يقع بفخ التوقف عن الإنجاز خلال فترة الانتظار، بالرغم من وجود فرص تساعد الفتاة على التطور وزيادة المهارات التي تفيدها في مسيرة الحياة، فالتوازن مطلوب، والنظرة بواقعية للامور لا تتعارض مع الطموح والبحث عن الافضل.
إلى ذلك، القناعة عنصر مهم في نجاح الإنسان، فمعادلة الحياة تحتاج الى وعي وإدراك واستثمار الفرص وان الجانب المادي ليس هو الوحيد الذي يحقق السعادة للإنسان، إذ أن قيمة الإنسان بما لديه من قيم وما يقدم للآخرين من إنجازات، وفق سرحان.
الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة يؤكد أن هذه الأساليب التربوية خاطئة، ولا ينبغي ربط طموح الفتاة وأهدافها بالزواج، ومع التغيير الحاصل أصبح الزواج بعيدا عن مؤسسة الأمان الاجتماعي، لذلك من الأخطاء في التربية هو تلقين الفتاة بشكل مستمر هذه العبارات وزرعها في عقلها ومنذ صغرها.
ويشير إلى أن وجهة نظر الأهل هذه من “المصائب الاجتماعية” وتساهم بايجاد جيل يؤمن بأن الزواج هو المستقبل وبداية الحياة عند الفتاة وجعلها في حالة من الضعف والاستسلام، كما يزود من ذكورية الرجل وبالتالي تصبح الفتاة تبحث دائما عن الزوج الذي سيحقق لها أحلامها بدل من ان تبحث عن ذاتها.
ويبين مطارنة أن الأصل أن لا تبني الفتاة آمالها على هذا الموضوع بتاتا، بل عليها ان تعرف أن تحقيق ذاتها يكون من خلال شخصيتها وعلمها وجهدها واصرارها على النجاح، والرجل هو شريكها بالمستقبل.
من هنا، فإن انعكاسات الأسلوب التربوي الذي يربط الأحلام بالزواج هذا أسلوب يورث الفتاة الألم وحالة من الاحباط، وفقدان الثقة بالذات إذا لم يتحقق الزواج، وتصبح “لاهثة” وراء الزواج كمنقذ لها وتربط المستقبل به، مبينا أن مستقبل الفتاة يكون باستقلالها الاقتصادي وعملها ونجاحها في الحياة، وفق مطارنة.