الراي - ليس من دولة، بما فيها دول غربيّة، إلاّ ولها إعلامها الممول من موازنتها.. وما الـ «بي بي سي» البريطانية، وفرانس 24 الفرنسية، وروسيا اليوم الروسية، إلا مثال على ذلك.
هذه الدول تدرك أهمية وقيمة الإعلام وضروراته الوطنيّة، ليس بوصفه أداة من أدوات «القوة الناعمة» الرئيسة، بل والناقل لهذه القوة في أبعادها الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة.
والإعلام أحد أهم الأدوات التي تخوض بها الدول صراعاتها ومنافساتها، حماية ودفاعاً عن مصالحها وخياراتها
ومواقفها..
فهذه الدول تدرك أن الأثر الذي يحدثه الإعلام، داخلها وخارجها، أفقياً وعمودياً، أكثر فائدة وجدوى من أي أداة
أخرى بما فيها أدوات الحروب التقليدية.
في الأردن، تمثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) وتلفزيون المملكة، مكونات الإعلام
الرسمي، ويتم الإنفاق عليها من الموازنة العامة، إنفاقا متواضعا، ومع ذلك تحاول، بما هو متاح، أن تطور أدواتها
ومحتواها ليرقى إلى إعلام الدولة.
لكن ما زال أثر هذا الإعلام، في الأردن، وهو يأمل أن ينافس، ويخلق لنفسه موطئ قدم على النطاق الإقليمي،
ولن أقول الدولي.
وإذا ما نظرنا في واقعه، فلا يمكن أن يطلب منه أكثر مما يقدمه أو يحاول أن يقدمه، لتواضع موازناته، مع الفارق،
وهذا التواضع أثّر سلباً في قدرته في بلوغ أهدافه كلها.
ومن هنا؛ فإن إحداث نهضة في الإعلام الرسمي ليقوم بدوره كاملاً ويُحدث الأثر المطلوب، يحتاج إلى التفاتة
حقيقيّة وجوهريّة تأخذ واقعه المادي والمعنوي بكل اعتبار.
والاعتبار لا بد أن يلحظ أن المسألة ليست نقص كفاءات وقدرات بشريّة، مهنيّة وإداريّة، فهو يزخر بها، وقد صدَّر
منها إلى مؤسسات صحفيّة وإعلاميّة خارجية، عربيّاً ودوليّاً، وأثبتت تميزها وتألقها.
أي أن إعلامنا الرسمي، يحتاج إلى موازنات معقولة، ترفع سوية معيشة العاملين فيه، وترفع قدراته الفنيّة والتقنيّة لتكون أكثر جودة وأوسع انتشاراً.
فمثلا، قبل أن نتحدث عن الانتشار على النطاق الإقليمي لنجعل الإذاعة مسموعة في أرجاء الوطن، إذا ما علمنا أن صوتها شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها بالكاد يصل، نظراً لضعف تقني لا بد من حله.
وبقدر حاجة الإعلام الرسمي إلى قدرات وإمكانات مادية لائقة ترفع من سويته وسوية معيشة من يعمل فيه، وألا يعامل معاملة شركات ومؤسسات خدمية عادية يمكن الاستغناء عنها، فهو يحتاج إلى الثقة بكوادره وقدرتها
على صناعة الفارق المهني المفترض، وإحداث الأثر اللازم في الوعي والاتجاهات العامة، على قواعد ومعايير
المهنيّة والموضوعيّة والمسؤوليّة.
إذا أردنا إعلاماً قوياً وفاعلاً ومؤثراً ويحظى بمصداقية، علينا أن نعطيه مساحته ونعطيه ما يرفع سويته الفنيّة والتقنيّة وسوية معيشة من يقومون عليه.