عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Dec-2025

السلامة الرقمية ضرورة وطنية*د. أشرف الراعي

 الغد

ضروري أن يعيش الأردن استقراره في الواقع الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي كما هو في الواقع الحقيقي؛ فكما نجح هذا البلد، عبر عقود، في ترسيخ نموذج متماسك من الأمن والسلم المجتمعي، بات مطلوباً اليوم أن يمتد هذا النموذج ذاته إلى الفضاء الرقمي، الذي أصبح ساحة عامة تؤثر في الوعي، وتعيد تشكيل القيم، وتصنع الرأي العام.
 
 
ما نشهده اليوم على منصات التواصل الاجتماعي من انتشار مقلق للإساءات والشتائم، وخطابات التشهير والكراهية، والخروج الصريح على الأخلاق والمبادئ، لا يمكن التعامل معه بوصفه سلوكاً عابراً؛ فنحن أمام ظاهرة رقمية لها آثار نفسية واجتماعية وقانونية عميقة، تهدد التماسك المجتمعي، وتُضعف الثقة، وتحول حرية التعبير من حق دستوري إلى أداة إيذاء وانتهاك لكرامة الآخرين.
المشكلة لا تكمن في حرية التعبير بحد ذاتها، بل في إساءة استخدامها خارج أي إطار من المسؤولية؛ فحرية التعبير، في الفلسفة الدستورية، هي حق مقيد باحترام حقوق الغير، والنظام العام، والقيم المجتمعية، وعندما يغيب هذا التوازن، يتحول الفضاء الرقمي إلى بيئة «فوضوية» تُنتج العنف اللفظي، والابتزاز، والتضليل، وتغذية الانقسامات.
من هنا، تبرز الحاجة الجدية إلى إعادة النظر في التشريعات الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي والرقمي، ليس بهدف التضييق أو الحد من الحريات، وإنما لتطوير تنظيم قانوني عصري يواكب التحولات الرقمية المتسارعة، ويضع معايير واضحة للمساءلة، ويُعيد الاعتبار لأخلاقيات المهنة الإعلامية، خصوصاً في ظل تداخل الأدوار بين الصحفي المحترف وصانع المحتوى والمؤثر الرقمي.
السلامة الرقمية ضرورة وطنية لحماية الأفراد، وصون الكرامة الإنسانية، والحفاظ على السلم المجتمعي، وهي تعني، عمليا، أن يكون الفضاء الرقمي آمنا من التشهير والابتزاز وخطاب الكراهية، تماماً كما نحرص على أن تكون شوارعنا ومؤسساتنا آمنة في الواقع الحقيقي؛ فلا يعقل أن تطبق سيادة القانون على الأرض، بينما يُترك الفضاء الافتراضي خارج نطاق الضبط والمسؤولية.
وفي هذا السياق، تكتسب العودة إلى الرؤية الملكية أهمية خاصة؛ فقد أكد الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة على دور الإعلام المسؤول، وأهمية احترام القانون، وترسيخ ثقافة الحوار، ورفض الإساءة والتجريح، سواء في الواقع أو عبر المنصات الرقمية، وهذه الرؤية تنطلق من قاعدة راسخة بأن قوة الدولة تقوم على وعي مجتمعي يحترم الاختلاف، ويُدير التنوع دون انزلاق إلى الفوضى أو التحريض.
التحدي الحقيقي اليوم لا يقتصر على سن القوانين، بل يمتد إلى تفعيلها بعدالة، وتكاملها مع برامج توعية إعلامية وقانونية، تستهدف الشباب على وجه الخصوص، وتُعزز ثقافة الاستخدام الآمن والمسؤول للمنصات الرقمية؛ فالقانون وحده لا يكفي إن لم يواكبه وعي مجتمعي، كما أن الوعي وحده لا يحمي دون إطار قانوني رادع.
السلامة الرقمية هي الوجه الحديث للاستقرار الوطني، ومن دون فضاء رقمي منضبط بالقانون، ومحكوم بالقيم، سنبقى نواجه خطر أن يقوض الواقع الافتراضي ما تم بناؤه في الواقع الحقيقي.
والأردن، بما يمتلكه من تجربة متقدمة في التوازن بين الحرية والاستقرار، قادر اليوم على أن يقدم نموذجا إقليميا في بناء فضاء رقمي آمن، ومسؤول، يحمي الإنسان قبل أي شيء.