عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Nov-2019

ترويض الجماهير.. مزيج السياسة والمال والبيانات - يوسف عيادي
 
الجزيرة - كيف سيكون شكلك بعد ثلاثين سنة؟ من هو شريكك المستقبلي؟ أي لاعب أقرب إلى شخصيتك؟ قد تصادف يوميا مثل هذه الأسئلة على شكل تطبيقات متاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فتجيب عن الاستبيانات بحماس وتنتشي لرؤيتك النتائج. لكن ما قد لا تعلمه هو أنك قدمت معلومات قيمة قد يتم إعادة استعمالها أو بيعها بمبالغ خيالية لأي جهة. إنها ما يسمى بالبيانات الضخمة أو Big Data.
 
معلوماتك الشخصية، لائحة أصدقائك، اهتماماتك، رغباتك الشرائية، تعليقاتك، ما تحبه وما تكرهه.. كلها بيانات قد تعطي صورة كاملة عنك إذا تم تحليلها بدقة، وقد يتم استعمالها لتوجيهك إلى فعل أشياء وإقناعك بها، ربما في الخدمات الإشهارية لدفعك لشراء منتج ما، أو في الرفع من عدد مشاهداتك لمحتوى قد يناسب اهتماماتك. لكن الأخطر هو استعمال هذه البيانات في السياسة، للتأثير عليك من أجل التصويت على مرشح ما دون آخر، أو لصالح أو ضد استفتاء أو قرار، وربما لتأجيج الأوضاع للثورة أو العصيان.
 
في العالم العربي، كانت هناك أصداء عن تعامل الإمارات مع كامبريدج أناليتيكا من أجل تشويه سمعة قطر باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي
كامبريدج أناليتيكا من بين الشركات التي تعمل في مجال البيانات الضخمة، تلك الشركة ذات السمعة السيئة التي ستكون حتما سمعت عنها فيما يخص الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي انتهت بفوز دونالد ترمب، وكذا تدخلها في التصويت لصالح قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما يسمى البريكست. كامبريدج أناليتيكا استعملت بيانات حسابات أمريكيين جمعتها عبر تطبيقات واستبيانات على الفايسبوك، وقامت بتحليلها وإعادة استعمالها للتأثير على قرار تصويتهم، ودفعهم للاقتناع بالتصويت لصالح ترمب دون كلينتون، حتما لأن مدير موظفي حملة ترمب الانتخابية ستيف بانون هو نفسه نائب رئيس مجلس إدارة كامبريدج أناليتيكا.
 
لكن هذا لا يعني أنها تعمل فقط مع المقربين، بل مع من يدفع أكثر. تقرير للقناة الرابعة البريطانية، صور بشكل سري اجتماعا لمارك تورنبول المدير الإداري لكامبريدج أناليتيكا يؤكد فيه نشاط الشركة في كل من نيجيريا، المكسيك، ماليزيا، أستراليا البرازيل والإمارات، وكذلك في الصين ولو لم يكن ذلك في مجال السياسة. كان هذا التقرير هو ما عرى عورة الشركة والدول المتعاملة معها، وما صاحب ذلك من ردود فعل إقليمية تنكر تعامل حكومات هذه الدول مع تلك الشركة.
 
وعلما أن انتهاك الخصوصية الفردية تعتبر مشينة جدا خصوصا إذا تم الأمر بمباركة السلطات أو صناع القرار، تم استدعاء ألكسندر نكس الرئيس التنفيذي لكامبريدج أناليتيكا للمثول أمام البرلمان البريطاني لإعطاء توضيحات بخصوص ذلك، حيث نفى بشكل قاطع استعمال شركته لبيانات شخصية للتأثير على آراء مستعملي الأنترنت خلال حملتي البريكست وانتخاب ترمب. بعدها وفي وسط كل هذا الزخم، حيث كانت فيسبوك أكثر عرضة للانتقاد - فهي الأكثر شهرة وسيطرة، كما أنها الموفرة الرئيسية للبيانات الضرورية لعمل مثل تلك الشركات - تعرضت لأكبر الهزات في تاريخها، خصوصا بعد جلسة مساءلة مجلس الشيوخ الأمريكي لمارك زوكربرج المدير التنفيذي لفيسبوك، التي أعلن خلالها علمه بتلاعب كامبريدج أناليتيكا بالبيانات الشخصية لمستخدمي فيسبوك وإعادة استعمالها، كما أقر بتوجيه إنذار لهم وإجبارهم على مسح كل البيانات المستخرجة. لكن فضيحة بهذا الحجم، حيث يتداخل النفوذ والمال والسياسة لا يمكن أن تمر سدى، فأعلنت كامبريدج أناليتيكا إفلاسها وتوقف جميع أنشطتها.
 
في العالم العربي، كانت هناك أصداء عن تعامل الإمارات مع كامبريدج أناليتيكا من أجل تشويه سمعة قطر باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ما خفي كان أعظم، فقد نبدأ برؤية حملات انتخابية غير تقليدية في عالمنا العربي، وترويض للرأي العام اعتمادا على ما يقدمه مستعملو الأنترنت عن طيب خاطر من بيانات، خصوصا في ظل ظهور أجيال جديدة يصعب التأثير عليها بفعل حملات انتخابية تقليدية، قد تكون كامبريدج أناليتيكا ساهمت بشكل مباشر في حدثين هامين خلال هذا القرن، وقد تكون قد أعلنت إفلاسها، لكنها تبقى مجرد قشة رقيقة في عالم هائل مخفي، قد يخدم أجندات خطيرة إذا تم استعماله بسوء.