عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2019

إسرائيل حققت هدفها الأساس - بقلم: د. عيران ليرمان

 

إسرائيل هيوم
 
كل بحث في مسألة معاني الجولة الأخيرة يجب أن يبدأ بإزالة المعضلة المفترضة ظاهرا، عن الطاولة، الا وهي هل تصفية أبو العطا كانت مجدية، في ضوء الثمن الاقتصادي الباهظ المتمثل بتعطيل مناطق واسعة في إسرائيل؟ رغم الانشغال المكثف في الموضوع، فان المسألة غير ذات صلة من اساسها: من المهم أن نتذكر بان الاحباط لم يأت لتصفية حسابات قديمة بل كان، ببساطة احباطا لنوايا وقدرات مسؤول الجهاد الإسلامي على تنفيذ عمليات بحجم كبير. لو تحققت، لكانت على أي حال ستفرض على إسرائيل الرد بيد قاسية – مما سيشعل، في كل حال، جولة مواجهة مشابهة في حجمها الى هذا الحد أو ذاك. ليس إسرائيل هي التي اختارت خيار التصعيد بل الجهاد الإسلامي، كجزء من نمط أوسع من النشاط التي تبادر إليه إيران وتنفذه بواسطة فروعها.
إذا كان هكذا، فهل تحققت أهداف إسرائيل (في اطار الفهم الاساس لادارة النزاع)؟ أولا وقبل كل شيء، هل رمم، وان كان جزئيا، الردع؟ في الوضع الذي نوجد فيه، ليس هناك بل ولن تكون اجوبة غير قابلة للتأويل على هذه الاسئلة. وحتى التجربة الجزئية والمتحفظة التي ستعرض هنا ستتبين فقط على مدى الزمن – وحتى عندها، ليس بشكل نهائي ولا مرد له.
من حيث الجوهر فان الردع هو وضع نفسي غامض وغير مستقر، وليس غرضا ماديا يمكن أن يقال عنه بشكل ملموس إذا كان موجودا أم لا. على الرغم من ذلك، ثمة أمور مهمة يمكن الاشارة اليها. اولا وقبل كل شيء، القرار الواضح والثابت لقيادة حماس بعدم الانضمام إلى القتال يعكس ليس فقط العداء المتبادل بينها وبين الجهاد الإسلامي بل وايضا، وبالاساس، الردع الذي نجحت إسرائيل في خلقه بالفعل. فلو اعتقدوا في حماس بان الثمن سيكون متدنيا، ما كانوا ليترددوا في تثبيت موقعهم كـ “الأخ الأكبر” واخذ الصدارة في إدارة المعركة مع إسرائيل. اما انهم لم يفعلوا ذلك فله معنى عملي ورمزي بعيد الأثر.
صحيح – رافق ذلك ايضا نوع من “الجزر” في شكل حقائب مالية من قطر وترتيبات توريد للوقود والبضائع من إسرائيل: ولكن في ذلك تتعاظم الرسالة فقط. منظمة اقيمت قبل 30 سنة لغاية كفاح جهادي لإبادة إسرائيل، لم تقترب بصفتها هذه من تحقيق أهدافها، وتنطوي حاليا، عمليا، في نوع من “الهدنة” المتواصلة – مقابل الاحتياجات المادية للسكان الخاضعين لامرتها. يوجد لإسرائيل، وليس لها فقط، مصلحة طويلة المدى في أن هذا ما يحصل. وفي اطار ذلك، تكون علامة استفهام حول شرعية الاسلام السياسي الراديكالي كطريق ايديولوجي، بينما في نفس الوقت تتراكم آثار أحداث اخرى، بما فيها تصفية أبو بكر البغدادي.
بالنسبة للجهاد الإسلامي نفسه، فهو يدعي انه “انتصر” وفرض، بفضل تضحياته وخسائره، معادلة جديدة. ولكن عمليا، الدخول في دائرة المفاوضات مع مصر كان يعني ان إسرائيل حققت هدفها الاساس. فالتعهد بوقف النار معناه ان التنظيم يتخلى – تحت الضغوط المتداخلة من مصر وحماس، وباثر خسائره ايضا – عن نيته في إثارة، بتكليف من ايران، استفزازات متزايدة التعاظم. وكما أسلفنا، كان يفترض بهذه ان تتداخل مع محاولات النظام في طهران لهز المنظومة الاقليمية والدولية لفرض مفاوضات نووية متجددة وفقا لشروطها والخروج من الضائقة الاقتصادية المحتدمة عقب العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب. اذا كانت الحملة أدت، حتى ولو لفترة زمنية محدودة، الى شطب قدرة الجهاد الفلسطيني على تقديم خدمات لطهران، فان خطوات إسرائيل تكون قد خدمت جيدا مصلحتها الاستراتيجية – وليس فقط مصلحتها. اما الصمت في العالم العربي، في هذا السياق، فيثبت ذلك.