عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2019

«حق تقرير المصير»..للدجاج ! - رشاد ابو داود

 

الدستور - الجائع يرى القمر رغيفاً.. العطشان في الصحراء يرى السراب ماءً، أما الشبعان فانه لا يحتاج الى الرغيف؛ لما يحويه الخبز من نشويات ويكتفي بقليل من «التوست» ومعه أو بين طبقتين منه كثيرٌ من الهامبرغر أو المرتديللا او الجبن الفرنسي المستورد ذي الألف نوع الذي تنتجه فرنسا.
الشبعان ينتصر للحيوان وينسى الانسان، تماماً كما فعلت تلك السائحة البريطانية التي ألقت بنفسها على أقفاص الدجاج المعروض للبيع في الشارع بمدينة طنجة بالمغرب، وعندما حاول البائع منعها عضته وهاجمته باللكمات وصاحت: وااابوريس جونسوناااااه، داعية إياه لتسيير الجيش البريطاني وبوارجه لاستعمار المغرب و»تحريره دجاجه من الأسر والدفاع عن حقه بتقرير المصير».
ونقل عنها قولها إن المغاربة المتوحشين يعتقلون الدجاجات دون أي ذنب «ويعرضونها في الشارع ليحرقوا قلوبها وهي تشاهد الجميع طلقاء، يتاجرون بها لتساق إلى حتفها، فتذبح وتنتف بكل همجية وتطبخ بطرق بدائية لا ترقى لمعاييرنا الإنسانية بالتعامل معها؛ إذ نضعها في مزارع كبرى، ونقتلها بطرق حضارية كالصعق أو الخنق، وبعد إزالة الريش عنها بأحدث الآلات، نضعها في أكياس ذات تصاميم أنيقة ونورِّدها إلى المتاجر لتُرتب في الثلاجات، أو تُرسل إلى مطاعم محترمة لتُقطَّع وتُقلى أو تُطبخ أو تُشوى على يد أمهر الطباخين وبأفضل الأدوات».
لا تعلم هذه الغبية أن كلمة «حلال» المنتشرة في متاجر بلادها لها اصل علمي وطبي؛ اذ ان الخنق والصعق يبقي الدم في العروق واللحم؛ ما يتسبب في أمراض منها السرطان.
لم تكتف بالشتائم العنصرية الجاهلة بل دعت بلادها الى الإسراع بضبط المغاربة «وقتلهم إن رفضوا الرضوخ لنا؛ لأنهم لا يقيمون وزنا للحياة كلها، ولا تقتصر جرائمهم على الدجاج فحسب، بل تمتد لتشمل البقر والخراف، إنهم يعاملونها كما عاملنا الإرهابيين في العراق». يا عيني على الانسانية..اقتلوا الانسان من أجل الحيوان !!
طبعاً، لم تحرك السائحة ساكناً لمئات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي ولا الى الذبح والحرق الذي يتعرض له أطفال فلسطين على ايدي النازيين الجدد، ولم تشارك في مظاهرة واحدة من عشرات المظاهرات التي اجتاحت لندن ومدناً بريطانية في كل عدوان يرتكبه الاحتلال على الشعب الفلسطيني، كما لم تدع الى تحرير الفلسطيني من الاحتلال ومنحه حق تقرير مصيره بل الى «تحرير» الدجاج ومنحه «حق تقرير المصير»!!
مؤسف أن يفكر انسان في القرن الواحد والعشرين بهذه العقلية، وماذا لو افترضنا جدلا وتخيلنا أن رئيس وزراء بريطانيا نفذ طلبها وارسل جيوش بريطانيا الى المغرب «لتحرير الدجاج» ؟!.
انه التخلف بعينه، العودة الى ما قبل العصور الوسطى بملابس حضارية وعقول عصافيرية اين منها حروب اسبرطة وطروادة.
صحيح أن بريطانيا احتلت الهند من اجل التوابل، كما يقال، لكن كان ثمة اسباب اخرى تجارية واقتصادية، فمع بداية القرن السابع عشر، عمل الإنجليز على الاتصال بالسلع الشرقية في منابعها، وقد جاء ذلك على يد شركة الهند الشرقية الإنجليزية التي تأسست في 1601، لممارسة واحتكار التجارة في المنطقة الواقعة إلى الشرق من رأس الرجاء الصالح، وشراء الأراضى في ذات المنطقة، فضلاً عن منافسة الهولنديين في تجارة التوابل هناك، لاحتكارهم هذه التجارة في أوروبا، ورفعهم لأسعارها إلى حد لا يطاق.
و صحيح أن من أهم العوامل التي دفعت الدول الأوروبية إلى الاستعمار هي البحث عن الأموال، والسيطرة الاقتصادية، وجَني الأرباح، فقد نشأت بدايات الاستعمار للأغراض الاقتصادية من قبل الإسبان الذين نقّبوا عن الذهب عند اكتشافهم للعالم الجديد وخاصةً الأمريكيتين، وأدركوا مقدار الربح والقوة الاقتصادية التي يمكن جنيها بواسطة عمليات تصدير هذه المواد بعمليات منظّمة ومنسّقة.
أما الدوافع السياسية للاستعمار فان القرن التاسع عشر يعدّ عصر القوميات، والحِراك السياسي القوي القائم على التنافس بين الدول من أجل السيطرة على مصادر القوى والتربّع على العرش، وامتلاك السلطات ذات النفوذ القوي، بالإضافة الى اكتساب المكانة المرموقة سياسياً، وهذه العوامل هي التي أدت فيما بعد الى قيام الحرب العالمية الأولى، كما كانت أحد أهم دوافع الرغبة في ظهور التوسع الاستعماري، ومن هذا الإطار السياسي تفرّعت الأسباب لكل بلد؛ فمثلاً فرنسا دفعتها هزيمتها أمام بروسيا عام 1870م، الى التوسع الاستعماري لمحو الهزيمة من ذاكرتها، أما ألمانيا وإيطاليا وقد كانتا حديثتي الحضارة والنشوء، فكان دافعهما الرغبة في الحلول مكان الامبراطوريات الأوروبية التي هُزِمت.
أما الاستعمار من أجل الدجاج فهذه الدعوة، والله، على سخافتها لتدل على أي مستوى هبط اليه الانسان المتخم بالشبع واللحم و..الجهل !
- ينشر بالتزامن مع «البيان» الإماراتية