برودة "المربعانية".. خطر خفي يتسلل لأطراف كبار السن
الغد-أحمد الشوابكة
مع حلول الثلث الأخير من شهر كانون الأول (ديسمبر) الحالي، بدأت فترة "المربعانية"، إذ يعلن الشتاء حضوره ببرده القارس الثقيل، الذي يتسرب إلى خلايا الجسم ويسكن العظام بصمت.
لكن تجربة كبار السن مع "المربعانية" مختلفة وأكثر ألما، إذ لا تنتهي فقط بالبرد، بل أحيانا تمتد إلى أطراف تتجمد، مخلفة آثارا على أجسادهم تكتشف متأخرة، وتحتاج إلى علاج طويل، وخصوصا لدى مرضى السكري.
يجلس كبار السن ومنهم مرضى السكري ساعات طويلة بلا حركة تذكر. ومن هنا لا تقاس قسوة الشتاء بدرجات الحرارة، بل بالأثر الخفي على أجساد أنهكها العمر والمرض، وبأطراف قد تتجمد بصمت من دون أن يلتفت إليها أحد، والسبب تغطيتها على أمل الدفء.
"ثلجة القدم" مصطلح شعبي شائع ومتداول، وهو حالة صحية مقلقة للمريض ومن حوله؛ إذ إنه في أيام البرد الشديد تتحول المدفأة من وسيلة دفء إلى سلاح ذو حدين، فالقرب منها قد يسبب حروقا، والابتعاد عنها يسبب "ثلجة الأطراف".
من جانبه، قال الطبيب العام مخلص مزاهرة "إن المربعانية تعد من أخطر الفترات على كبار السن، ليس فقط لانخفاض درجات الحرارة، بل لأن أجسادهم تفقد مع التقدم في العمر قدرتها الطبيعية على تنظيم الحرارة".
وأضاف أن الدورة الدموية تصبح بطيئة، والجلد رقيقا، والاستجابة للبرد ضعيفة، ما يجعل الأطراف تتأثر.
أما مرضى السكري، فمعاناتهم أشد - بحسب مزاهرة- مبينا أن الكثير منهم يعاني من اعتلال الأعصاب الطرفية، ما يعني ضعف الإحساس بالبرودة أو الألم، وقد يكون غيابهما كاملا.
وأوضح مزاهرة أن المريض قد يعاني من برودة شديدة أو أذى في القدم من دون أن يشعر، الأمر الذي يرفع احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة في فصل الشتاء.
وأوضح أن المريض قد يعاني من برودة شديدة أو أذى في القدم من دون أن يشعر، الأمر الذي يرفع احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة في فصل الشتاء.
ولا تأتي "ثلجة القدم" فجأة، بل تبدأ ببرودة مستمرة، يليها تغير في لون الجلد، أو خدر وألم خفيف، وقد تتطور إلى تشققات وتورم، وفي بعض الحالات إلى تقرحات والتهابات، خاصة لدى مرضى السكري.
وأكد مزاهرة أن الخطورة الحقيقية، لا تكمن في البرد وحده، بل في طريقة التعامل الخاطئة معه. ويشير إلى أن كثيرا من الإصابات الشتوية تنتج عن محاولات تدفئة غير آمنة، مثل وضع القدمين مباشرة على المدفأة، أو استخدام ماء ساخن جدا، أو كمادات حرارية قوية.
وبين أن هذه الممارسات قد تسبب حروقا لا يشعر بها المريض، خصوصا من يعانون من ضعف الإحساس، لتظهر آثارها لاحقا بشكل مؤلم وخطير.
في المقابل، أكد مزاهرة أن الوقاية ممكنة وبسيطة، إذا ما تم التعامل مع التدفئة بوعي، فرفع حرارة الغرفة تدريجيا أكثر أمانا من تعريض الأطراف لمصدر حرارة مباشر، وارتداء ملابس مناسبة بطبقات متعددة أفضل من قطعة واحدة ثقيلة.
وينصح باستخدام جوارب قطنية أو صوفية ناعمة غير ضيقة، مع تغييرها يوميا للحفاظ على جفاف القدمين.
وأكد أن الحركة، ولو كانت محدودة، تبقى عنصرا أساسيا فتحريك القدمين واليدين أثناء الجلوس يساعد على تنشيط الدورة الدموية.
ويشدد الطبيب على أهمية الفحص اليومي للأطراف، خاصة لدى مرضى السكري، لملاحظة أي تغير في اللون، أو ظهور تشققات أو جروح قد تمر من دون إحساس.
وينصح بالترطيب لما له من دور مهم في حماية الجلد من التشقق، مع ضرورة تجنب وضع الكريمات بين الأصابع. وشرب السوائل الدافئة، وتناول غذاء متوازن، يساعدان الجسم على الحفاظ على حرارته ومقاومة البرد.
وتعاني أروى مسعود، من قلق مستمر بسبب خوفها على صحة والدتها المسنة، وتقول "أحرص على تدفئتها من دون الاقتراب من المدفأة، بعد تجربة حرق بسيط تعلمت منها أن النية الحسنة وحدها لا تكفي، إذ تجب المراقبة وتهوية مستمرة للأطراف في حال تغطيتهم، إضافة إلى إبعاد "القربة" الساخنة جدا، لأنها من الممكن أيضا أن تسبب الحرق، وصعوبة الأمر تكمن بأن والدتي كحال كبار السن لا تشعر بالحرارة العالية، ما يجعلها بالفعل تتعرض للحرق".
وأكدت أنها تعيش بكابوس أن يصيب أطراف والدتها أي سوء، لأن العلاج ليس سريعا، وخطورته مع وجود مرض السكري أصعب.
في حين يروي محمود عبنده، أنه وفي كل يوم يذهب لزيارة والدته وتفقد قدميها ويديها في فصل الشتاء وتحديدا في أيام المربعانية القارسة، فهي مريضة سكري وكبيرة في العمر وتعيش وحدها.
وأكد أن اي إهمال وإن كان صغيرا، ما هو إلا بداية مشكلة كبيرة لمثل حالة والدته.
ويختتم الطبيب مخلص مزاهرة حديثه بالقول "إن الدفء هو حق، لكن مع كبار السن ومرضى السكري يجب أن يكون بذكاء وباتباع النصائح التي ذكرت سابقا، حتى يكون آمنا، فمحاربة البرد بوسائل خاطئة قد تلحق أذى يفوق خطر الشتاء نفسه، بينما الوعي والاهتمام اليومي قادران على حماية الأطراف، وربما إنقاذ الأرواح".