الغد-عزيزة علي
تسعى رواية "أرجوان" للناقد الدكتور كايد الركيبات، إلى كشف خبايا الروح الإنسانية، وتخرج حاملة صوتا سرديا متعدد الطبقات، ينسج من تفاصيل الحياة اليومية مرآة تعكس الصراع بين الذاكرة والواجب، وبين ما يضج في الداخل وما يفرضه الخارج.
وتعد الرواية التي صدرت عن دار الأيام للنشر والتوزيع في الأردن، رحلة في عوالم النفس البشرية، حيث تتقاطع المصادفات العابرة مع الأسئلة الوجودية الكبرى، في بناء روائي يتأرجح بين الواقع والخيال، ويعكس صورة للمجتمع بفضاءاته المتشابكة.
يقول الركيبات إن روايته تقدم عملا سرديا متعدد الأصوات، يتوغل في تعقيدات النفس البشرية، ويضيء صراعها الدائم بين الحب والواجب والذاكرة. تتقاطع في فضائها حكايات أربع شخصيات رئيسة: آصف، الموظف المصرفي القادم من الجنوب، وانتماء زميلته التي تجمعه بها مصادفة في مكتبة، وكساندرا الفتاة الأميركية التي تستكشف الشرق بعين غربية، وأخيرا سيلين الطبيبة النفسية التي تكشف خفايا العلاقات المتشابكة بينهم.
تقوم الرواية على حادثة تبدو عابرة، لتفتح بابا واسعا على أسئلة وجودية عميقة، تتعلق بقدرة النظرات الصامتة واللغة غير المنطوقة على زعزعة ما نظنه استقرارا. وتوظف الكاتبة تقنية "الرواية داخل الرواية" في بناء سردي متشابك، تتداخل فيه حدود الواقع بالخيال.
تتمحور الأحداث حول رجل أربعيني يملك ملامح النجاح الخارجي، لكنه يعيش في داخله اضطراب يعرف بـ"متلازمة تنامي شعور الفقد"، فيدخل في تواصل روحي صامت مع زميلته العزباء. ومن خلال السرد المتبادل بينهما، مقرونا بتحليل الطبيبة النفسية، ينكشف عالم داخلي حافل بالصراع بين الواجب والرغبة، والعقل والقلب، والظاهر والباطن. ويرى المؤلف أن رواية "أرجوان" تنفتح على الواقع الأردني بفضاءاته الاجتماعية والمهنية والعائلية، لترسم صورة دقيقة لتشابك الطبقات وتحولات المجتمع، وما تحمله من طموحات فردية تصطدم غالبا بمنظومة تقليدية ضاغطة.
وحول دوافع كتابته لهذه الرواية والرسالة التي أراد أن يحملها، يقول الروائي في تصريح لـ"الغد": "اتجهت إلى كتابة الرواية لأنها فن يتيح أفقا رحبا للتعبير، يتجاوز قيود المقال وضوابط البحث الأكاديمي. فالرواية تمنح الكاتب مساحة للبوح والاعتراف، وتشكل أداة للتعافي النفسي والمصالحة مع الذات والآخر".
أما الرسالة التي سعيت إلى إيصالها، فهي أن الرواية ليست قطيعة مع الواقع بل امتداد له، وأن الخيال الأدبي لا يأتي بديلا عن الحقيقة، بل يشكل لغة أخرى للكشف عما تعجز الحقيقة المباشرة عن قوله والإفصاح عنه.
ويرى الروائي، وهو ناقد، أن النقد أسهم في بلورة فكرة الرواية، قائلا "من المؤكد أن تفاعلي الكبير مع عدد من كتاب الرواية العربية، ومساهمتي في الكتابة الانطباعية عن رواياتهم، قد أثر في ذائقتي الأدبية لفن الرواية، وكان له دور في دفعي إلى خوض هذه التجربة، التي كانت فكرتها الموضوعية متخمرة لدي منذ زمن". وعن العناوين التي وضعها في مستهل كل فصل، يشير إلى أن سبب ذلك هو إزالة اللبس أمام القارئ، كون الرواية متعددة الأصوات، ومبنية على تقنية الرواية داخل الرواية، فجاءت العناوين ممهورة بأسماء الشخصيات الرئيسة.
وفي مستهل الرواية، يوجه الروائي رسالة إلى القارئ يقول فيها: "عزيزي، عزيزتي: أجمل العلاقات في الحياة هي تلك، التي لم نخطط لها، لكنها قعت في مكانها الصحيح..
ليست كل المشاعر التي تعاش بين اثنين تحتاج إلى ضوء؛ فهناك المشاعر يجب أن تترك في عتمتها، لا خوفا منها، بل احتراما لسرّها.. فلنتفق، قبل قراءة رواية أرجوان، على أن الحياة نعمة عظيمة، وأن الدنيا تضحك، لا تحزن أبدا. فلنتأمل، فالتأمل زاد الحاضر، وجسر إلى استشراف المستقبل".
يذكر أن الروائي الدكتور كايد الركيبات هو باحث أردني مستقل في الدراسات التاريخية والسياسات المعاصرة. ولد في عمان ويقيم حاليا في قضاء المريغة بمحافظة معان. نال درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ من الجامعة الأردنية، ونشر عددا من الأبحاث المحكمة والمقالات في الصحافة الثقافية والاجتماعية. ومن مؤلفاته: "الفكر السياسي للحركة المهدية في السودان" و"نظريات إقامة الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر".