عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Nov-2025

مستقبل غزة الغامض

 الغد

جون بولتون* - (الإندبندنت) 2025/10/27
 
مع بدء تفكك الخطة الأميركية، ازدادت محاولات البيت الأبيض بصورة مكثفة للحفاظ على تماسكها. فمارس مستشارو الرئيس الأميركي ضغوطاً دبلوماسية كبيرة وغير مسبوقة في نطاقها على إسرائيل، في محاولة لإنقاذ المبادرة.
 
 
ما يزال مستقبل قطاع غزة معلقاً حتى لو تم نزع سلاح حركة "حماس" بالكامل بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام المؤلفة من 20 نقطة، وهي خطوة يبدو احتمال تحققها اليوم أبعد من أي وقت مضى.
ومع بدء تفكك الخطة الأميركية، ازدادت محاولات البيت الأبيض بصورة مكثفة للحفاظ على تماسكها. وقد مارس مستشارو الرئيس الأميركي ضغوطاً دبلوماسية كبيرة وغير مسبوقة في نطاقها على إسرائيل في محاولة لإنقاذ المبادرة، بالتوازي مع طرحهم مقترحات تتسم بمقدار متزايد من اللاواقعية بشأن إدارة قطاع غزة.
على المستوى الدبلوماسي، بعث ترامب بممثلين له إلى إسرائيل الأسبوع قبل الماضي، بدءاً بموفده الخاص ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر. وعلى الرغم من أن كوشنر هو مواطن عادي لا يتولى أي منصب حكومي رسمي، فإن إدارة ترامب كثيراً ما طمست الخط الفاصل بين الأدوار الرسمية والخاصة عندما يخدم ذلك أهداف الرئيس. وبعد بضعة أيام، وصل إلى إسرائيل نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، في ما تعد على الأرجح أبرز مهمة دبلوماسية له حتى الآن. وبحلول نهاية الأسبوع، كان وزير الخارجية ماركو روبيو قد وصل هو الآخر إلى إسرائيل. 
أُطلق على هذا الموكب من المبعوثين الأميركيين تسمية "مجالسة بيبي" Bibisitting، في تلاعب لفظي على لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي جاء ليكون بمثابة دليل علني على الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على نتنياهو وحكومته خلف الكواليس. وكان انهيار وقف إطلاق النار يومي 18 و19 من تشرين الأول (أكتوبر)، قد أدى إلى تسريع موجة الزيارات الأميركية التي ربما يؤمل منها أن تحول دون حدوث مزيد من الردود العسكرية الإسرائيلية. وقد نجح هذا الجهد إلى حد ما. فبحلول نهاية الأسبوع، استمر يوم السبت ويوم الأحد من الأسبوع الماضي صمود وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا يمكن لأي مقدار من الاستعراض الدبلوماسي أن يغير الحقيقة الجوهرية المتمثلة في أن الظروف التي تدعم وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) تتدهور بصورة مطردة. 
إدراكاً من نائب الرئيس الأميركي، فانس، وصهر الرئيس، كوشنر، للحاجة الماسة إلى اتخاذ خطوات جذرية، اقترح الثنائي إجراء تغيير جوهري في خطة ترامب المكونة من 20 نقطة. وخلال مؤتمر صحفي عقد في إسرائيل، اقترحا تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين -إحداهما يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، والتي تتكون من نصف القطاع تقريباً؛ والثانية التي إما تبقى تحت سيطرة حركة "حماس" أو تتنافس عليها فصائل أخرى في غزة. وتشير بعض التقارير إلى أن هذا الاقتراح كان إلى حد كبير يمثل رؤية جاريد كوشنر الشخصية التي كثيرًا ما اعتقد من خلالها بأن الاستثمار الاقتصادي الأجنبي في غزة قد يكون الحل الأكثر فاعلية لمعالجة معظم مشكلات المنطقة.
بموجب اقتراح فانس - كوشنر، لن تصل مساعدات إعادة الإعمار إلا إلى الأجزاء الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في غزة، وهو ما يُفترض أن يشكل حافزاً لمزيد من سكان القطاع للانفصال عن حركة "حماس" والدخول تحت سلطة الجيش الإسرائيلي. غير أن هذا الطرح يفتقر إلى الواقعية بصورة كاملة، إذ إن أي خطر محتمل لتجدد الصراع سيضع جهود إعادة الإعمار في مختلف أنحاء غزة في مواجهة تهديدات جسيمة. ومن الطبيعي أن تتردد الدول المانحة المعنية في إنفاق أموال كبيرة على إعادة الإعمار ما دام خطر تجدد الأعمال العدائية يهدد بصورة مباشرة أي تقدم قد تتمكن من تحقيقه في هذا الإطار. وفي المقابل، من غير المرجح أن تلتزم مصادر التمويل الخاصة والتجارية تخصيص موارد في مثل هذه البيئة المتقلبة وغير المستقرة. 
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المبالغة القول ببساطة إن نصف قطاع غزة "آمن" فيما النصف الآخر ليس آمناً. قد تظهر الخرائط خطوطاً تحدد ذلك على السطح، إلا أن الخطر الحقيقي والأكثر تهديداً في ساحة معركة غزة يكمن تحت الأرض، تحديداً في شبكة الأنفاق الضخمة التي أنشأتها "حماس" على مدى عقود من الزمن. وقد أفيد خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي بأن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أبلغ فانس بأن نحو 60 في المائة من أنفاق "حماس" ما تزال قائمة ولم يتم تدميرها بعد. وأكد كاتس أن هذه الأنفاق التي ما تزال قيد الاستخدام، تمر تحت جانبي ما يسمى "الخط الأصفر" الفاصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي وتلك غير الخاضعة له. وما دامت "حماس" ما تزال قادرة على العمل داخل المناطق التي تعد "آمنة" اسمياً، فإن جهود إعادة الإعمار -وحتى إيصال المساعدات الإنسانية- ستكون عرضة بصورة كبيرة للتعطيل والإعاقة.
في المقابل، ما يزال حجم امتداد شبكة أنفاق "حماس" التي تربط بين قطاع غزة ومصر غير واضح. وكثيراً ما اعتقدت إسرائيل -ولديها ما يبرر ذلك- بأن "حماس" استخدمت هذه الأنفاق لتهريب الأسلحة والذخائر والإمدادات، وأنها كانت بمثابة ممرات عبور لقادتها وللاجئين الفارين كي يغادروا القطاع. ولم تؤدِّ سيطرة إسرائيل على "محور فيلادلفيا" الممتد على طول الحدود بين غزة ومصر إلى القضاء على هذه الأنفاق التي قد تشكل عاملاً حاسماً في أي مسعى جاد لإرساء سلام دائم.
من هنا، وفيما يعد وقف إطلاق النار المستدام خطوة ضرورية للمضي قدماً في هذا المسار، تبقى المرحلة الأهم في خطة ترامب للسلام، نزع سلاح حركة "حماس". وفي هذا السياق، لم تسفر التحركات المكثفة لمبعوثي الرئيس الأميركي إلى إسرائيل والمنطقة عن أي نتائج ملموسة، حيث يبدو أن مقاتلي "حماس" يعيدون بسط سيطرتهم على مناطق في غزة كان الجيش الإسرائيلي قد انسحب منها ويقومون بتنفيذ إعدامات ميدانية بأسلوب العصابات في حق غزيين معارضين لهم. 
أما ما إذا كان الفلسطينيون الآخرون، ومن بينهم من يعملون في شكل ميليشيات مسلحة، قادرين فعلاً على منافسة "حماس" بصورة جدية للسيطرة على القطاع، فإن هذا الأمر ما يزال غير مؤكد. ولكن، مما لا شك فيه أن هذا الواقع يعزز احتمالات استمرار حالة عدم الاستقرار وتصاعد المواجهات.
ما لم تبدِ حركة "حماس" استعداداً حقيقياً لنزع سلاحها، بما في ذلك التخلي الكامل عن ترسانتها العسكرية وتسليم السيطرة على شبكة الأنفاق تحت الأرض بأكملها، فإنه ليس هناك أفق لتحقيق أي تقدم مستدام في إطار خطة ترامب أو أي مبادرة أخرى. ولن يساعد طرح أفكار مثل تقسيم غزة إلى قسمين، أو تكثيف زيارات المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل والمنطقة، في أن يغيّر حقاً من جوهر المسألة.
أخيراً، ينبغي على البيت الأبيض والحكومات المعنية تركيز الجهود على هدف واضح يتمثل في تفكيك حركة "حماس" كقوة سياسية وعسكرية، وهو الهدف الذي كانت إسرائيل قد وضعته منذ وقوع هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
*جون بولتون John Bolton: سياسي ودبلوماسي أميركي شغل مناصب بارزة في إدارة الشؤون الخارجية الأميركية، أبرزها مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب بين العامين 2018 و2019، وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بين العامين 2005 و2006 خلال إدارة جورج بوش الابن. يشتهر بمواقفه الصارمة تجاه قضايا الأمن القومي والدفاع، ودعمه القوي للسياسة الخارجية الأميركية التوسعية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية ضد دول يعتبرها تهديدًا، مثل إيران وكوريا الشمالية.