الجريدة –
كنت أستمع إلى شكوى السفير المتقاعد الصديق محمد سالم البلهان بين وقت وآخر عن الإهمال الذي يجده لجهة وعدم الاستفادة من السفراء الذين خدموا أربعين أو خمسين سنة، وعندما عادوا إلى وطنهم شعروا بالتهميش… وبات عدد كبير منهم شأنهم شأن موظفين حكوميين يقضون أيامهم بين السفر أو التنقل بين «المول» و«المزرعة» و«الشاليه» و«الديوانية».
وأنا في بيروت التقيت مجموعة من الدبلوماسيين اللبنانيين المخضرمين، الذين أمضوا حياتهم الوظيفية كسفراء خارج بلدهم، عادوا اليوم ليفاجأوا بأن لا دولة تسأل عنهم، ولا جامعة تستفيد منهم، ولا مركز أبحاث يجدون أنفسهم فيه!
طبعاً هناك فارق كبير في المعطيات بين الحالتين من حيث مستوى المعيشة وظروف الحياة وطبيعة الدولة، فلبنان يعاني أوضاعاً سيئة جداً في الجوانب الاقتصادية والحياتية وفي إدارة دولة مترهلة وعاجزة تحاول أن تعيد إحياء دورها وسط أمواج عاتية تحيط بها من كل جانب.
في لبنان نحو مئة سفير متقاعد، لا يحصل البعض منهم من الدولة على أي امتياز سوى راتب تقاعدي لا يتعدى الـ600 أو 700 دولار بالشهر.
تخيل وضعاً كهذا في بلد منهك اقتصادياً، والتضخم والبطالة فيه تحقق أرقاماً قياسية وغلاء الأسعار… شيء لا قدرة لهم على تحمله… يعني زيارة واحدة للسوبر ماركت وفي الطريق لملء خزان السيارة بالبنزين انتهى المعاش.
وبعكس فئات أخرى بالدولة كالضباط العسكريين، لديهم أندية خاصة تقدم لهم ولعائلاتهم خدمات بأسعار رمزية، ولا أدري ماذا يحصلون من مكافأة أخرى في تعليم أبنائهم وتلقيهم العلاج.
فئة القضاة مثلاً، لديهم «صندوق تعاضد»، وهناك فرص لإعادتهم إلى سلك القضاء وتعيينهم «قضاة شرف» في محاكم خاصة، حتى أساتذة الجامعات يحظون بفرص عمل بالقطاع الخاص الجامعي أو العمل بجامعات خارج الدولة.
تسأل بعضهم، لماذا لا تستفيد الدولة من خبراتكم بتدريب الدبلوماسيين الجدد، أو يتم إيجاد برامج في الجامعات تعطى للدارسين حول الأزمات السياسية وإدارة النزاعات، وغيرها من المجالات التي تكونت لديهم فيها خبرات ومعارف؟
حسناً فعلت الكويت بإنشاء معهد تدريب للدبلوماسيين، كما غيرها من الدول، وإن كانت الاستعانة بالسفراء المتقاعدين محدودة.
بعض السفراء اللبنانيين يشغلون مناصب في مؤسسات فكرية وثقافية وآخرون يمارسون الكتابة، ومنهم من لديه «حظوة» بالالتحاق بجامعة خاصة، لكن هل هذا يكفي، وكيف يمكن لأي دولة أن تستثمر هذه الطاقات البشرية بنقل المعرفة والتجارب العملية في حقول السياسة والعمل الوطني.
صورة لبنان الدبلوماسية أصابها الكثير من العثرات والتراجع، وإن كانت على طريق الصحوة من جديد، إنما نستعيد تاريخاً من الإنجازات التي تحققت على يد الدبلوماسيين اللبنانيين، ونتحسر على ما تعيشه الدولة في هذه المرحلة، نستذكر إسهامات لبنان ودبلوماسييه في تأسيس الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعندما كانت بيروت ساحة دبلوماسية جامعة.
رحم الله أبا الدبلوماسية اللبنانية شارل مالك والوزير فيليب تقلا وغسان تويني وفؤاد بطرس وآخرين.