الدستور - عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأربعاء 13 شباط/ فبراير 2019 حلقةً جديدة من برنامج السيمنار الأسبوعي، قدّم خلالها محمد الخطيب، الخبير اللغوي في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، محاضرةً بعنوان "كيف صُنع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية؟ من معضلة النص إلى دقة البناء".وابتدأ الدكتور الخطيب محاضرته بالتأكيد على أنّ نهضة الأمم تستلزم "أن نخرج من "ذلّ" الأخذ إلى "عزّ" العطاء... فلم تُعرف أمة بنت حضارتها بعقول غيرها، ولا جدّدت معارفها بلغةٍ غير لغتها". وتعمّد الخطيب ألا يكون حديثه عن المعجم، بل في المعجم؛ إذ أوضح أنّ هذا المُنتج كان ثمرة عمل ثلّةٍ من المعجميين المرابطين من علماء العربية، الذيناستلموا مسؤولية بناءِ معجمٍ تاريخيّ يتحرّى انتقاء الألفاظ وفق الضوابط المعجمية التي نُصّ عليها في الدليل المعياري.كما أبرز الخبير اللغوي بعض الصعوبات التي كانتمُعْضِلَة النص العربي، ومافيه من الامتداد وتعدد المصادر، وأشار إلى أنّ المصادر غير المخدومة تمثّل 90 في المئة من تراث الأمة الذي لم يُحقّق،فيما تحتويالمصادر التي حُقّقتالعديد من الأخطاء؛ أو فيها إغفال متعمّد لما هو مُشكل. بالإضافة إلى معضلة التصحيف والتحريف بسبب طبيعة اللغة الاشتقاقية وتشابه رسم حروفها، وانزياح معاني الألفاظ، وانتقال المعنى من الحقيقة إلى المجاز.وأكّد الخطيب أنّ ما تُرك من جذاذات لم تُنشر في المعجم، تخدم اللغة العربية بدقّة التحقيق، وتصويب ما حدث من تحريف، وأسهمت في فرز المعاني والألفاظ بما يُحقق الدقّة المُثلى للمعجم.وردّ الباحث على من عابَ تعدّد المستويات في بناء المعجم في مرحلته الأولى، أنّ الغرض من ذلك كان تحصين اللفظ والمعجم، كي لا يفرّ منه شيء، أو يدخل إلى المعجم ما هو ليس فيه، وأنّ سبب الفترة الزمنية التي احتاجها المعجم هو هذا البحث والتنقيب؛على اعتبار أنّ البحث عن كلمة لم تُشرَحيأخذ مدّة من الزمن، يلزم بعدها معرفة المعنى، ممّا قد يضطرّالباحث للتخلّي عن الجذاذة لأنّ المعنى مسبوق؛ولذا فما كان للقائمين على المعجم أن ينقلوا كلمة دون فقه معناها بدقّة. وأوضح الخطيب أنه لا يوجد في العالم كله تخصصُ بناء المعجم التاريخي، ولا يوجد عالمٌ دُرّب على التقاط الألفاظ ومعانيها؛ لأنّ ذلك يحتاج إلى عالم موسوعي ملمٌّ بعلوم اللغة وغيرها من العلوم الشرعية، وحتّى العلوم الطبيعية، وألفاظها التراثية.وختم الخطيبُ بذكر الضوابط التي وُضِعَت في منهجٍ صارمٍ يعتمد على "المدونة التي حاولت، قدر استطاعتها، لملمة شتات تلك النصوص وترميزها ووضعها في سياقات مؤرخة بتواريخ وَفَيَات أصحابها"، وعرض آلية صياغة الجذاذة والمراحل التي تمرّ عبرها الكلمة.ثمّ أشار إلى دور المنصة الحاسوبية في تسهيل العمل على مئات العاملين في المعجم، وإتاحته لهم في أوقات مختلفة وبلدان متعددة. وأكّد أنّ هذا المعجم هو الأوّل في التاريخ؛ إذ اعتمد في بنائه على الحاسوب من نواته الأولى وحتى اليوم، وأنه مُنجزٌفريد في إصداره وشواهده ومعانيه وتأريخه لكل لفظ، وبدأيُمثّلٌ إلهاما للعلماء والمؤسسات العلمية في تجاربهموإنجازاتهم العامة والخاصة.ثمّ تلى المحاضرة نقاش ثري حول ما طرحه الدكتور زريق بين الحضورمن باحثين المركز العربي وأساتذة معهد الدوحة وطلاب.