عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2019

(أشباه الشعراء) لا يصنعون أغنية خالدة

 الراي- أحمد الطراونة

لا يمكن للأغنية الوطنية أن تستعيد مجدها الذي شهدته
 
على مدار عقود، إلا بالارتقاء بمضمونها لتعود كما كانت؛ «رسالة» تحمل القيم النبيلة كالانتماء والتسامح والكرم والإنجاز والعطاء.
 
هذا الدور المحوري للكلمة، غفل عنه صنّاع الأغنية وهم «يلهثون» وراء «الكسب السريع» ومجاراة «الحداثة» التي أفقدت هذه الأغنية توازنها وأضرَّت بها كثيراً.
 
محمود: الأغنية كانت سلاحاً إعلامياً
 
قال الشاعر حيدر محمود إن الملك الحسين طيب الله ثراه، كلّف صلاح أبو زيد بـ«المهمة الكبيرة» عند تأسيس إذاعة عمّان في آذار 1959 لتحمل صوت الأردن، إذ كانت الإذاعة وسيلة الإعلام الوحيدة للأردن والناطق الرسمي باسمها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً.
 
وأضاف أن هناك تحدِّيَين اثنَين كانا أمام أبو زيد: إيجاد الكفاءات الفنية القادرة على القيام بهذه المهمة، خصوصا في تلك الظروف المعروفة؛ وصياغة الرسالة بمفردات إذاعية مناسبة، بمعنى أن تقدم بالشكل الذي يقنع المستمعين في الداخل والخارج.
 
وأوضح أن التعامل مع هذين التحدّيَين استدعى تشكيل فرقة موسيقية من عددٍ كبيرٍ من العازفين الموهوبين، وكورال كان قوامه من الأصوات التي أصبحت في ما بعد ذات حضور كبير في الساحة العربية. وتشكلت في الوقت نفسه لجنة لها مهمتان: البحث عن الأغاني التراثية في كل مناطق الأردن؛ وغربلة هذه الأغاني والاستفادة من الألحان والكلمات التي أصبحت «أغاني أردنية» مشهورة، ومنها «يا صبّابين الشاي» و«برجاس يا قاضي الهوى».
 
وكشف محمود عن تشكيل لجنة أخرى للتوجيه السياسي للأغنية في تلك الفترة، فقد كان الأردن يعيش مرحلة من التحديات الصعبة على الصعيد السياسي، ومعظم الإذاعات الشقيقة كانت تصب جامَّ غضبها على الأردن الذي كان مستهدَفاً بشكلٍ يومي، ولأن التعليق السياسي للرّد على هذا الاستهداف لم يكن كافياً، فقد تقرّر مواجهته بالأغنية الوطنية والسياسية، على غرار: «تخْسا يا كوبان ما انت ولفْ إلي»، و«رَبع الكفافي الحمر والعُقل ميّالة».
 
وأكد محمود أن الأغنية الوطنية الأردنية كانت سلاحاً إعلامياً مهمّاً في ذلك الوقت على المستويين المحلي والعربي، حيث صنعت ما يمكن أن يسمى «الهوية» للمواطن الأردني. مضيفاً أن دخول عنصر «الحداثة» والتطوير» على الأغنية الأردنية أفقدها توازنها وأضرَّ بها كثيراً، فالأغنية الشعبية ينبغي أن تظلّ شعبية، يرددها الناس ببساطة، من دون تعقيدها بما يسمى «التوزيع» أو خلافه، لأنها ستفقد عندئذٍ مقوماتها الأصلية.
 
واقترح محمود تشكيل لجنة فنية راقية على المستوى الوطني لإعادة تسجيل الأغاني الأردنية كما هي وكما كانت من قبل، ولكن بالتكنولوجيا الحديثة لكي تبقى خالدة على مرّ الزمان.
 
كما اقترح أن يجري اختيار أصوات مناسبة لإعادة غناء تلك الأغاني، مستدركاً بقوله إن هذا يحدث الآن، لكنه عشوائي ويضر بالهدف، فالمفترَض أن يُعطى لكل صوتٍ ما يناسبه.
 
ودعا محمود إلى العودة إلى «الرسالة»، بمعنى أن الدولة التي تهتم بأغانيها ينبغي أن يكون لديها رسالة واضحة من ذلك الاهتمام، أما في الأردن، فالجهود فردية وليس هناك هدف ولا رسالة على ما يبدو.
 
وأعرب محمود عن حزنه لأننا عطّلنا بأيدينا مسيرة الأغنية الأردنية التي كانت سبّاقةً في الانتشار، وجلسنا نتفرج ونستمع إلى أغاني سوانا.
 
وختم محمود بالقول إن للنص أثراً كبيراً في حياة الناس على كل الصُّعد، وهو أسرع في إيصال الرسائل السياسية والاقتصادية والثقافية من أيّ وسيلة أخرى. لهذا ينبغي أن نُعاود الاهتمام بأغنيتنا الأردنية وموسيقانا الجميلة بطريقة منظمة ومؤسسة وبإشرافٍ من أعلى المستويات.
 
ناجي: عطش إلى «الكلمة الصادقة»
 
أكد الشاعر حسن ناجي أن للأغنية دوراً كبيراً في تشكيل الوعي الجمعي سلباً أو إيجاباً، وأن الكلمة في كتاب تؤثر في قارئها فقط، أما الكلمة المموسقة والمغنّاة فتؤثر في أجيال.
 
وقال ناجي: ما زلنا حتى اليوم مشدودين إلى الكلمة الصادقة، نحفظ «بلادُ العرب أوطاني»، و«بلادي بلادي فداك دمي»، و«جزائرنا يا بلاد الجدود»، و«من سجن عكا طلعت جنازة». فنحن تلاميذ هذه الأغنيات التي سكنت منا الوجدان وشكلت وعينا وثقافتنا، والتي حمتنا من السقوط سياسياً واجتماعياً.
 
وأضاف أن الأغنية الأردنية بدأت بكامل عافيتها في نهايات الخمسينات من القرن الماضي، فهي بنت المناخ الذي ساد الوطن العربي في حينه، وكان فرسانها سليمان المشيني وحيدر محمود وزيد الكيلاني وإبراهيم الكيلاني وتوفيق النمري وغيرهم ممن كان لديهم الوعي السياسي والاجتماعي وعندهم الإحساس بالكلمة ويدركون مدى تأثيرها في المجتمع فكتبوا وصدقوا.
 
وأكد ناجي أن الإذاعات والفضائيات قد أدت إلى سقوط الذائقة السمعية للجمهور وأسهمت في تسطيح ثقافته،
 
الحميدات: محاولات لـ«تسليع» الأغنية
 
أكد الشاعر فايز الحميدات أن الأغنية تشكل هوية الوطن ووجدان الشعب وتحافظ على تراثه في ظل الهجمة الشرسة للعولمة وتذويب الهوية.
 
وقال إن الأغنية الوطنية شكلت في الفترة الأخيرة حالة وجدانية دخلت إلى قلوب الناس، وإنْ كان شابها شيء من الضعف والتردي في بعض الجوانب في ظل غياب أو تغييب الأشكال والقوالب الغنائية غير الوطنية، مضيفا أن للأغنية الوطنية فضلا كبيرا على العديد من النجوم الأردنيين الذين وصلوا إلى الساحة الفنية العربية.
 
وأوضح الحميدات أن انحدار مستوى الأغنية الأردنية، تقع مسؤوليته على النصوص الضعيفة التي يختارها المنتج أو الفنان، رغم أن هناك العديد من الشعراء المبدعين والنصوص الجيدة فنياً. وأكد أن النص الضعيف لا يستطيع أن يفرض نفسه على أحد، وأن الكلمات المكررة والمستهلكة والتي تغيب فيها القيم الجمالية لا تصنع أغنية خالدة.
 
وقال الحميدات إن الشاعرَ الحقيقيَّ جنديٌّ سلاحه القلم، وإنه يدافع عن وطنه بكلماته ولا يستطيع أن ينفصل عن مجتمعه، وإن الأغاني الوطنية تساهم في تنمية الحس الوطني وغرس محبة الوطن وتوحيد المشاعر والأحاسيس للالتفاف حول الوطن والقيادة، فمنذ فجر التاريخ كانت الأناشيد الحماسية وقرع الطبول، ترافق الجنود لبث الحماس في نفوسهم.
 
وبيّن أن الأغنية الوطنية في الأردن كانت في فترة من الفترات عبارة عن «بلاغ عسكري»، مستذكراً في هذا المجال المطربة الكبيرة سلوى العاص التي ألهبت مشاعر الشعب بأغنيتها التي حظيت منذ البداية بالدعم والتأييد من قِبل رئيس الوزراء وصفي التل وقائد الجيش المشير الركن حابس المجالي: (تخْسَا يا كوبان ما انتَ وِلفْ إلي.. ولْفي شاري الموت ولابسْ عسكري).
 
ودعا الحميدات إلى أن ترتقي الأغنية الوطنية بمضامينها وأن تحمل روح الوطن المبني على التسامح والمحبة والكرم والطيبة والإنجاز والعطاء وغيرها من القيم العليا. ورأى في تحويل الجندية إلى (فوتيك) و(بسطار) وأنواع مختلفة من الأسلحة، وتناسي روح البطولة والشجاعة والتضحية والفداء، تسطيحاً وتسخيفاً لأهم المؤسسات الوطنية.
 
وقال الحميدات إن كثيراً من المحطات الفضائية والإذاعية تساهم في ترويج الرداءة وتشترك في الإساءة للأغنية الأردنية والوطنية وتتشابه في بث المضامين نفسها. مشيرا إلى أن هناك المئات من الأغاني الوطنية الرائعة ولكنها لا تجد مساحة في البث اليومي وهذا يعود إلى سياسات البث والعائد التجاري والإعلانات وشركات الرعاية وثقافة المعدّين والمشرفين على اختيار الأغاني.