عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Sep-2025

سعي الاحتلال للسيطرة على غزة.. إعادة لإنتاج الفشل

 الغد- محمد الكيالي

 في وقت بدأت فيه عملية "جدعون 2" التي أقرها الاحتلال الصهيوني، تأخذ مسارها الذي أقرته حكومة الكيان لاحتلال مدينة غزة، تتبدى في خلفية مشهد الحرب العدوانية على قطاع غزة، حالة الفشل التي خرج فيها الصهاينة من عملية "جدعون 1" وفق تقارير صدرت عنهم.
 
 
لذا، يرى خبراء عسكريون وإستراتيجيون، أن استمرار الاحتلال في إنتاج حالات فشله الحربية، ستستمر في عمليته الجديدة، بعد أن أغلق كل الأبواب في وجه الغزيين، بالتجويع والقتل والتدمير والحصار، وهو ما ينعكس على موقف المقاومة الفلسطينية في غزة، التي باتت على يقين أن المواجهة مع الكيان في هذه المعركة هي مواجهة "كسر عظم".
وما يريد الاحتلال فرضه بـ"جدعون 2" لانتزاع جملة مطالب، يريد بها فرض واقع جديد على الأرض، بإحكام الحصار على غزة ودفع الغزيين للتهجير، في نطاق ما يسميه بـ"الحسم المدني"، والتحكم بتوزيع الغذاء تحت إشرافه مع استمرار أعماله العدوانية. 
يُذكر أن طبيعة القتال في غزة، بما تحمله من سمات حرب العصابات، تجعل الحسم أمرا بالغ الصعوبة، بل وقد تفتح أي عملية اجتياح واسعة لغزة، الباب أمام حرب استنزاف طويلة الأمد، شبيهة بما جرى في تجارب الاحتلال الأميركي للعراق.
وفي هذا السياق، تبدو مقاربة "خطة الحسم"، أكثر تعبيرا عن أزمة سياسية وعسكرية يعيشها الاحتلال، بدلا من كونها مخرجا واقعيا للصراع. فالمطالب المتعلقة بالاستسلام المدني أو نزع السلاح الكامل من القطاع، تظل بعيدة المنال في ظل مقاومة ميدانية متواصلة، وحصار خانق يفاقم معاناة السكان من نقص الغذاء والدواء والماء. كما أن محاولات فرض السيطرة بتجويع المدنيين أو دفعهم للهجرة، تصطدم بمعارضة دولية وإشكالات داخلية متنامية بين المؤسسة العسكرية والحكومة السياسية في الكيان.
سباق مع الزمن لحسم معركة غزة
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، قال إن الاحتلال يسابق الزمن لحسم الموقف في قطاع غزة خلال فترة زمنية لا تتجاوز شهرا واحدا تقريبا، معتقدا بأن بوسعه الوصول لهذا الأمر، برغم أن الوقائع على الأرض في الأشهر الماضية، لم تظهر نجاحا في ذلك. موضحا أن الكيان لجأ منذ بداية الحرب لاستخدام قوة مفرطة، لضرب مختلف مفاصل القطاع، مستهدفة البنية التحتية والمنشآت المدنية والمؤسسات، تحت ذريعة استغلالها لأغراض عسكرية. 
وأشار شنيكات، إلى أن الجديد في هذه المرحلة، يتمثل باعتقاد الاحتلال أن لديه القدرة على استهداف مدينة غزة تحديدا، إذ تشير تقارير في وسائل الإعلام العبرية لحصوله على موافقة ضمنية من الولايات المتحدة لتنفيذ هجوم واسع عليها. 
ويرى شنيكات أن هذا السيناريو، قد يمنح الكيان شعورا بالحسم، غير أن مجريات الصراع للآن تظهر أن تحقيق ذلك، قد يكون ممكنا ولكن بتكلفة باهظة وبحاجة لوقت طويل. مضيفا أن طبيعة حرب العصابات تجعل المواجهة المباشرة أمرا غير مضمون النتائج، فدخول الاحتلال لمدينة غزة لا يعني بالضرورة حسم المعركة، بل ربما يشكل بداية لمرحلة جديدة من الصراع.
واستشهد في هذا السياق، بتجربة الاحتلال الأميركي للعراق، إذ لم يؤدِ احتلال كامل البلاد لإنهاء المقاومة، بل كان إيذانا ببدء حرب استنزاف طويلة. لذا فإن ما يسعى الكيان له من أهداف تتمثل بفرض الاستسلام الكامل على القطاع والمقاومة، يبدو بعيد المنال.
وأشار شنيكات إلى أن الاحتلال يفكر في التهجير كأحد مساراته الإستراتيجية، لافتا إلى أن أعداد الضحايا المدنيين الذين تسقطهم ضرباته الجوية تتجاوز أحيانا الـ250 شهيدا في اليوم الواحد، وفي أيام أخرى تزيد على 100، وفق إحصاءات متداولة. 
واعتبر بأن هذه الجرائم التي وصفها تقرير الأمم المتحدة بـ"جرائم إبادة"، تحمل أبعادا متعددة، منها الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة، وتنفيذ سياسة الإبادة الجماعية، ودفع السكان قسرا للهجرة، لخاصة مع تدمير مقومات الحياة، وجعل غزة بيئة غير صالحة للعيش. مضيفا أن سياسة الاحتلال في غزة، تقوم حاليا على التحكم بالغذاء والدواء والمياه، كجزء من إستراتيجيتها العسكرية، إلى جانب محاولات التقدم البري المدروس. 
وأوضح أن هذا التقدم، لم يكن حاسما للآن، بسبب سعي قوات الكيان الصهيوني لتجنب الخسائر البشرية، إذ لجأت لاستخدام الروبوتات المتفجرة التي توجه عن بعد لتفجير مواقع محددة، بما يمهد الطريق للقوات البرية ويسهل تقدمها وفق مخططاتها، مشددا على أن مستقبل المواجهة ما يزال غامضا في ظل حرمان القطاع من الإمدادات العسكرية وأبسط مقومات الحياة من ماء وغذاء ودواء.
وأضاف، أن القطاع يعاني أصلا من حصار خانق منذ سنوات طويلة، وحتى قبل اندلاع هذه الحرب، لم يكن يحصل إلا على كميات محدودة جدا من المواد الأساسية، ما جعله عاجزا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.
أهداف "غير قابلة للتحقيق
وقال المحلل السياسي والباحث بشؤون الاحتلال جهاد حرب، قال إن القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة الكيان، تأتي في سياق ما وصفه بـ"خطة الحسم" التي يروج لها وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش. موضحا بأنها تعتمد على مسارين رئيسين: الأول، استسلام المدنيين في غزة بإخضاعهم للتجويع على نطاق واسع، والتحكم في آليات توزيع الغذاء، أما الثاني، فيتمثل بضم أجزاء من القطاع.
وأكد أن تحقيق هذه الأهداف ليس يسيرا، خصوصا في ظل استمرار الحرب دون أن يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه الرئيسة التي أعلن عنها، كالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية - حماس واستعادة الأسرى الصهاينة. مشيرا إلى أن "الكابينت" الصهيوني المصغر، أضاف خمسة عناصر جديدة لأهداف الحرب، أبرزها تجريد حماس من سلاحها، ونزع السلاح من القطاع بآلية واسعة، لمنع وجود أي أسلحة.
كما تضمنت الأهداف، منع قيام أي كيان سياسي في غزة مرتبط بالسلطة الفلسطينية أو بحماس، ما يهدف لإغلاق الباب أمام أي خيارات أو حلول سياسية مستقبلية. موضحا بأن ما تطرحه حكومة الكيان المتطرفة "غير ممكن تحقيقه حاليا"، إلا في حال حدوث تحول جذري في موقف المجتمع الدولي لصالح الكيان الصهيوني، وهو أمر.
وأضاف حرب، أن هناك عوامل داخلية مؤثرة تقف عائقا أمام تحقيق هذه الأهداف، كالخلافات المتزايدة بين المؤسسة العسكرية والحكومة السياسية. مشيرا إلى أن المطالب الداخلية في الاحتلال لم تعد تتركز على السيطرة التامة على القطاع، بقدر ما أصبحت تتركز على إنهاء الحرب الممتدة وإعادة ما تبقى من أسراه.
دون أي قيود أو تأجيلات
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أكد أن الأوضاع الراهنة في المنطقة العربية، والدعم الأميركي المستمر لخطط الاحتلال، تُشير لغياب أي معوقات أمام تصرفات هذا الكيان في المرحلة المقبلة. موضحا أن ما حققه الكيان بقيادة رئيس وزرائه المتطرف بنيامين نتنياهو العامين الماضيين، يعزز قدرته على تنفيذ خططه، دون أي قيود أو تأجيل لخططه التي توافق عليها مع الإدارة الأميركية.
وأشار الماضي إلى أن الواقع السياسي والموضوعي أصبح واضحاً للجميع، إذ يمكن للاحتلال التصرف بحرية ودون رادع، سواء على صعيد سياساته في المنطقة أو مواقفه الدولية. معتبرا بأن المستقبل قد يشهد مزيداً من التعقيد، وما يترتب عليه من خسائر إضافية للفلسطينيين على الأرض.
وأضاف أن سياسات الاحتلال قد تمتد لتشمل اعتداءات على دول مجاورة، كلبنان وسورية، مع احتمال أن تصل آثارها السلبية لمناطق أبعد، ما يعكس خطورة التطورات المحتملة في المنطقة.