عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2025

الأردن على خط النار الصامت: كيف نواجه انتقال الأزمات من الجنوب السوري والضفة الغربية؟*د.عامر سبايلةد.عامر سبايلة

 الغد

مع إبقاء إسرائيل المنطقة ساحات عمليات مفتوحة منخفضة التصعيد وقابلة للتطور في أي لحظة، تبرز في المرحلة الحالية أولويات إسرائيلية جديدة تضع الجغرافيا السورية في مقدمة الاهتمام الأمني.
 
 
 فعلى الرغم من أن التصعيد الأهم بالنسبة لإسرائيل يستمر على ثلاث جبهات متوازية، لبنان وغزة والضفة الغربية، فإن القناعة العملية الإسرائيلية بترابط جبهتي غزة ولبنان تجعل احتمالية تنفيذ اجتياحات برية محدودة في غزة، إلى جانب استمرار استهداف قادة حماس، أمراً حتمياً.
 وهذا الترابط يفسر أيضاً نمط الاستهدافات في لبنان، التي تشمل عناصر من حماس وحزب الله، ويدفع نحو توسيع دائرة الاشتباك باتجاه الجغرافيا السورية.
فجبهة الجولان، التي كانت إحدى ركائز مشروع "وحدة الساحات" الإيراني، تُعد اليوم الجبهة التي يسعى الإسرائيليون لإخراجها نهائياً من أي معادلة صراع مستقبلية.
 ومنذ زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن، ظهر الإصرار الإسرائيلي في إرسال رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل هي اللاعب الأساسي المسيطر على الجنوب السوري، وأن الهدف المركزي هو نزع سلاح هذه المنطقة وتحويلها إلى مساحة خالية من الميليشيات والتنظيمات. وقد تجسدت هذه الرسالة من خلال زيارة نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية إلى الجنوب السوري، في تأكيد أن إسرائيل تعُدّ هذه الجبهة امتداداً مباشراً لإستراتيجيتها الأمنية.
هذا التصور يحوّل الجنوب السوري إلى جزء من مواجهة لا تقتصر على التنظيمات الإرهابية التقليدية، بل تشمل أي حضور للميليشيات الإيرانية أو حزب الله أو حماس. فالجبهة قد تتحول إلى خاصرة رخوة تسمح باستهداف إسرائيل في المستقبل، نتيجة الفراغ السلطوي وما توفره المنطقة من مساحات عملياتية، فضلاً عن كونها تُجنّب الجغرافيا اللبنانية ردود الفعل الانتقامية الإسرائيلية. فحزب الله، رغم أنه مضطر للتفكير في رد محدود على تصاعد عمليات اغتيال قادته، لا يستطيع المخاطرة بصراع شامل قد يعرض لبنان لضربات واسعة أو إعادة رسم التوازنات الداخلية التي تجرد الحزب من موقعه ومكتسباته في الداخل.
وفي الوقت نفسه، تشهد الضفة الغربية تصعيداً إسرائيلياً يمتد إلى مناطق مكتظة بالسكان، قد تشمل الخليل وبيت أمر وكريات أربع، ضمن جهود لتعزيز البنية الأمنية الإسرائيلية في جنوب الضفة.
 هذا الوضع يعمّق منسوب التصعيد ويُبقي على سياسة توسيع العمليات عبر جبهات متعددة، ما يرفع احتمالات المواجهة وتداعياتها الإقليمية.
أما أردنياً، فمع تحوّل المناطق المحاذية لحدوده الشمالية إلى ساحات عمليات مفتوحة لا ترقى إلى حرب شاملة، بل صراع منخفض الوتيرة طويل الأمد، خصوصاً في الجنوب السوري، يجد الأردن نفسه أمام بيئة إقليمية متحركة تفرض حالة استنفار دائمة.
 فالمواجهات هناك قد تتخذ أشكالاً متعددة وتضم أطرافاً متنوعة، في حين أن التصعيد الكبير في الضفة الغربية قد يخلق واقعا أمنيا غير مسبوق، ما يضع الأردن أمام ضرورة تبني مقاربات أمنية نوعية وغير تقليدية للتعامل مع الأخطار التي وصلت فعلياً إلى حدوده وعمقه الإستراتيجي.
ويواجه الأردن اليوم تحديات أمنية غير مسبوقة، خاصة فيما يتعلق بملف الجنوب السوري واحتمال توسع المواجهات سواء مع التنظيمات الإرهابية أو الميليشيات الإيرانية.
 فإستراتيجية نزع السلاح التي تعمل عليها إسرائيل في الجنوب السوري لن تمرّ دون مواجهات أو استهدافات، ما يجعل المناطق الحدودية الأردنية في دائرة الأخطار المباشرة، خاصة في ظل تنوع أساليب الهجمات المحتملة من الطائرات المسيّرة إلى الصواريخ قصيرة المدى، الأمر الذي يهدد المناطق السكانية والمنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء والمصافي وغيرها.
إن دخول المنطقة مرحلة "التصعيد الثانية"، التي تُبقي الجبهات مفتوحة وتحتفظ بقابلية مستمرة للتوسع والاشتباك، يتطلب إستراتيجية دقيقة على المستويين الداخلي والإقليمي. وتفرض هذه المرحلة ضرورة إعطاء الأولوية للعبور الآمن قبل الوصول إلى "مرحلة التصعيد الثالثة"، التي قد تكون أقرب إلى مرحلة حسم الملفات وإغلاق الجبهات وفرض واقع جديد على مستوى إعادة رسم الجغرافيا أو التركيبات الديموغرافية والسياسية في مناطق الصراع.
 فالمشهد يشي بأن المنطقة لن تخرج من هذا المسار بالشكل نفسه الذي دخلته، وأن ما يُعاد تشكيله اليوم قد يحدد صورة المنطقة لعقود مقبلة.