عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Oct-2022

جواد الشكرجي: أحرص على تقديم العراق بأجمل ما يمكن.. واستفدت من برنامج “بنك المعلومات”

 الغد-سوسن مكحل – ليس من السهل محاورة فنان مثقف وعراقي بالوقت ذاته؛ لأن مساحات الحديث تتسع نحو آفاق كثيرة منها وجع بلاده النازف تارة، وأخرى نحو البكاء على حال الثقافة والفن العربي.

ذلك المثقف كغيره من أبناء وطنه حمل على كتيفه هم بلاد الرافدين وثقافته وعلمه وحضارته.
عاصر أجيالاً مختلفة من قامات المسرح العراقي، ومن ثم التلفزيون والسينما منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم.
البغدادي جواد الشكرجي، الذي مثل حنينه للعراق كمادة فنية بحثية ظهرت بأدوار وشخصيات قدمها في المسرح والتلفزيون والسينما عراقيا وعربيا.
حل الفنان العراقي مؤخرا ضيفا مع جمهوره في فعاليات مهرجان الفليم الأردني في دورته العاشرة، وكان لـ”الغد” فرصة اللقاء به والحصول على حوار خاص معه حول عالم الفن والدراما العربية.
لا تقتصر رؤية الشكرجي للحالة الفنية بتقييمها فقط، بل تشريح أسباب التراجع، وكيف من الممكن للممثل أن يشتغل على مهنته للوصول بشكل أكبر للجمهور بما يقدمه.
انتقل الفنان العراقي مؤخرا لتقديم برنامج (عائلتي تربح) على قناة (MBC العراق)، ولاقى استحسان الجماهير العربية، التي تعرفت من خلال فن تقديمه للبرنامج الذي يضم معلومات مختلفة من العراق وتاريخها ومناطقها وهويتها.
 
بداية، هل يعد انتقالك لتقديم برنامج (عائلتي تربح) له علاقة بغياب وندرة الأعمال المسرحية والتلفزيونية الدرامية التي حصرت في البداية نجاحاتك عراقيا وعربيا؟
أولا، المسرح بدايتي منذ الستينيات وأستاذي الذي علمني أديب القليجي، وكنت في تلك الفترة ذاتها من رواد صالات السينما وأعشقها، إلا أن المسرح كان متاحا أكثر في تلك الفترة فوجدت نفسي فيه.
عملت بالمسرح ودرست في معهد الفنون الجميلة ببغداد وثم انتقلت إلى التلفزيون الذي كان أكثر غزارة في الإنتاج من السينما آنذاك.
وليس عيبا انتقالي من المسرح للتلفزيون والراديو والسينما، ولكن عليك أن تدري كيف تميز بين العمل السينمائي أو التلفزيوني والمسرحي، وأن هناك وسائل تعبير مختلفة أساسها المسرح الذي علمني كل شيء.
عندما قبلت فكرة برنامج للتسلية والمسابقات، قبلتها ليس من باب الظهور في الإعلام؛ بل لأني آمنت بفكرة الوطنية بالبرنامج، ولأني ابن العراق حاولت أن يكون البرنامج موحدا لكل الطوائف العراقية وأجمع العوائل المختلفة من العراق، وهي فرصة لأن أقدم ما هو جديد.
وبعد دخولي هذه البرامج، وجدت أنها مطلوبة جماهيريا وأتمنى استمرايتها كما في نسخها الأصلية، ولأن فكرة المحتوى مرتبطة بحياة الناس.
 
هل تعتبر أنك إعلاميّ أم ممثل؟ وأين يجد الشكرجي نفسه حاليا، خصوصا بعد نجاح البرنامج الترفيهي (عائلتي تربح)؟
تعاملت مع الأستوديو كمسرح، لذا لعبت دور المقدم وتقمصت شخصيته، أما الإعلامي فهو شخص مختلف تماما عما أقدمه؛ لأنه يتعامل مع معلومة وخبر وغيرها من مهام الإعلامي.
حين عرض عليّ البرنامج وقدمته بالموسم الأول، علمت عن برنامج الإعلامي الراحل عمر الخطيب (بنك المعلومات)، وصحيح أن البرنامج مختلف وثقافة الخطيب كانت غنية بشكل كبير لكونه أكاديميا وإعلاميا من الطراز المميز، إلا أنني استقيت أجواء الفرح والقسوة التي يستخدمها، خصوصا إذا تعلق الموضوع بالمجتمع.
فأنا أحرص على تقديم مجتمعي وعائلتي العراقية بأجمل ما يمكن، وبدأت بتقبل ضعف المعلومات لدى بعض ضيوف البرنامج عن العراق نتيجة لما مرّ به الشعب العراقي من حالة التشرذم والتشظي التي عاشها وما يزال البعض يعايشها في العراق.
 
برأيك، ما سر جماهيرية برنامجك محليا وعربيا؟
لربما السبب بحث الجمهور عن الترفيه المرتبط بحياتهم اليومية، إضافة لتنقلي بين دول عربية عدة والعيش فيها سنوات طويلة، وفهمي اللهجات العربية في بلاد الشام والمغرب العربي، مما جعلني أفسر بعض الكلمات العراقية التي تظهر خلال البرنامج للمشاهد العربي ما مكنه من الاستمتاع أكثر خلال مشاهدة البرنامج، ودغدغ فضوله تجاه المعلومات عن العراق.
 
عودة لأدوارك التلفزيونية المميزة، قدمت دور أبو جهل “أبو الحكم” في عمل عربي مشترك، كيف تصف الحالة الدرامية العربية المشتركة حاليا، وهل هي في حالة صعود أم تراجع وما الأسباب؟
أولا، أنا شخصيا منذ فترة طويلة غادرت العراق لأسباب عديدة؛ من ضمنها التعرف على الشعوب الأخرى. رحلتي الأولى كانت باتجاه تونس، ومن ثم إلى العراق مجددا، ومنها إلى لبنان وسورية وإلى قطر، فتنوعت المعرفة والعلاقات والمشاركات.
وحقيقة ارتباطي بالأعمال العربية المشتركة، نتيجة لمعرفتي بشركات الإنتاج المختلفة في دول عدة وبقيت في ذهن المخرجين والمنتجين بعد مشاهدتهم أعمالي في العراق ومختلف أقطار الوطن العربي.
وعند اختياري لمسلسل عمر، لم أكن أعرف المخرج الراحل الذي افتقدناه حاتم علي؛ إذ عرضت عليّ شركة إنتاج النص، وحين قرأت النص وذهبت لتوقيع العقد اكتشفت أن المخرج حاتم هو من اختارني للدور لكونه المنتج وكان له الأحقية في تحديد كل شخصية واختيارها للدور دون فرض من مخرج ما.
ولربما تمكني من الفصحى والشعر و”الكلاسيكات” القديمة مكنني من القيام بأدوار عربية مشتركة منها دور “أبو الحكم”.
ما سر التماهي مع الأدوار، وملاحظة زوجتك والأبناء شخصيات قدمتها؟
ليس سرا على أحد، الفكرة أنني دائم البحث. مثلا، حين عرض عليّ دور أبو الحكم (أبو جهل) قرأت النص وجدتني فيه أعود إلى زمنه، تلبسني الشخصية حين عثرت، عن طريق صديق، على كتاب “العشرة المبشرون بالنار”، رأيت نفسي مباشرة أعود إلى الشخصية في زمنها لشدة تعلقي بالحالة وكثرة البحث عن جوابنها وقصصها.
لذا أحيانا أشعر أن الشخصيات تتلبسني، فأحدثها بالخروج مني خصوصا إذا تعاطفت مع إحداها، فأتوسل لها: أرجوك اخرجي مني فأنا مقبل على دور آخر.
طبعا يلاحظ من هم بمحيطي زوجتي والأبناء، التماهي أحيانا مع الشخصيات لأني أعدّ لها مسبقا كل طاقتي النفسية والفكرية والجسدية والروحية لتكون وكأنها نفسها.
أودع كل شخصية في سمائي وأناديهم أقماري.
 
ما قيمة الفن بنظرك؟ وهل تقتصر على الترفيه أم يجب أن تقدم معالجة للواقع؟
الفن ترفيهي نعم؛ لكن ليس هناك فن مجرد من الفكرة والفكر. وللأسف الجيل الصاعد من الممثلين لا ينشغل جيدا على ثقافته وعلمه، ويجب أن يبنى الفن على قيم صحيحة بنظري، ومواكبة العصر تتغير بالأسلوب والإخراج والتكنيك والأدوات، إلا أن الفن مثل الأخلاق يجب أن يفرض نفسه بمستواه الفكري سواء كان العمل كوميديا أو دراميا.
وعلى الفنان أن ينسجم فكرا وفنا وسلوكا، لأن غير ذلك يجعل الفنان بعيدا عن جمهوره بشكل كبير حتى لو كان نجما ويقدم أفضل الأدوار. والفنان النموذجي من يقدم السلوك ويؤمن بالقيم.
ربما يعتبر البعض أن فكرتي عن الفنان قاسية، نعم هي كذلك، لا أؤمن بنجومية مبنية على البساطة والسطحية دون دراسة للنص الذي يقدمه، فحين عرض عليّ شخصية (أبو الحكم “أبو جهل”)، قمت بالبحث عن الشخصية وقرأت كل الكتب التي عرفتني أكثر بالشخصية والفترة الزمنية التي عايشها، لذا جلبت غالبية الكتب التي تتحدث عن الشخصية قبل تقدميها.
حاليا الفنان يقرأ فقط صفحات دوره في العمل، ثم يرمي الورق. لطالما عاملت الدور الذي أقدمه كابن لي، حفظته في مكتبتي لزمن طويل، وحين تخليت عن بعض مكتباتي في الدول التي تنقلت إليها بكيت؛ لأني فقدت هؤلاء الأبناء وهم أدوار وشخصيات درستها وقرأت عنها قبل أن أقدمها.
 
كان يجب أن أسألك في البداية، حدثنا عن طفولتك في العراق، وعلاقتها بتشكيل الشكرجي اليوم؟ وكيف حال العراق في قلبك؟
طفولتي كانت وقحة، لم أعش طفولة مرفهة بل قاسية، كان والدي يخرج الفجر ويعود ليلا، وأمي امراة مثل كل النساء غير مسؤولة عن تربيتي بشكل مباشر، كنا نخرج مع الأطفال وثم الشباب لعالم آخر، فصنعت نفسي بنفسي.
لم تكن عائلتي رافضة ولا مرشدة لي أو موجهة، اخترت كل شيء بنفسي لا فضل لأحد عليّ سوى الله ورفقة أساتذتي أولهم أديب القليجي، ومعلمي غنام ميخائيل، ومعلم الفلسفة تامر مهدي.
إضافة لعلاقتي مع المجتمع ومراقبتي الشخصيات في المجتمع، خزّنتهم بذاكرتي فخلقوا بروحي، وحين جسدت بعض الشخصيات تمثلوا أمامي. فالعلاقة مع المجتمع من أهم عناصر الممثل.
لا أريد أن تفر الدمعة بالحديث عن طفولتي، لكني عشت كما عاش أبناء العراق وشهدوا الحروب والقتال والجثث والإنسان وهو يعيش ويحتضر ويدفن، كل مخاض الحرب والحصار والفجيعة.. فالسلام على العراق.