الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إيف إنغلر* – (ذا بالستاين كرونيكل) 22/10/2021
يقوم اللوبي الإسرائيلي في كندا بتعذيب الناس بشكل منتظم ويسعى إلى تقويض قدرتهم على كسب العيش. وفي حين أن أعدادًا متزايدة من الكنديين تصبح واعية وتتعامل بحكمة مع حملات التشهير التي يشنها، إلا أن بعض التقدميين ما يزالون يتماشون مع المتنمرين الذين أساؤوا تفسير معاداة السامية واستغلوها لترهيب الآخرين وإسكاتهم.
قائمة الأشخاص الطيبين الذين وضعهم اللوبي الإسرائيلي في خانة “الإلغاء الثقافي” طويلة. ثمة المئات، وربما الآلاف، من الكنديين الذين فقدوا وظائفهم وعقودهم، أو ببساطة تعرضوا للتعذيب من قبل اللوبي الإسرائيلي بسبب دعمهم للفلسطينيين.
هناك موقع إلكتروني مخصص بالكامل لتخريب فرص العمل لطلاب الجامعات الذين يشاركون في النشاط المؤيد للفلسطينيين. وفي محاولة لتخويف الطلاب، يقدم موقع Canary Mission تفاصيل نشاط الأفراد المزعوم ضد اليهود.
في الشهر الماضي، تعرض الكاتب والناشط البارز، ديزموند كول، إلى الهجوم من قبل أصدقاء “مركز أصدقاء سيمون ويزنتال في كندا” وآخرين لأنه قال “فلسطين حرة” خلال محادثة مناهضة للعنصرية لمعلمي “مجلس مدارس مقاطعة تورونتو”. وقال “مركز أصدقاء ويزنتال” إن كول كان يدعم حركة لها “تاريخ طويل من معاداة السامية والعنف ضد اليهود والترويج للقضاء على إسرائيل”.
وثمة مثال بارز آخر على قيام اللوبي الإسرائيلي بتعذيب شخص ما مؤخرًا هو فالنتينا أزاروفا، التي كانت تشغل منصبًا في قسم القانون بجامعة تورنتو تم إلغاؤه تحت ضغط من اللوبي الإسرائيلي. وأجبرت حملة كبيرة جامعة تورنتو على إعادة عرض الوظيفة على أزاروفا، لكنها رفضت المنصب لأنها لا تريد الاستمرار في التعرض للمضايقات من قبل بناي بريث وآخرين.
أثناء النزاع حول الحرية الأكاديمية، تعرضت رئيسة رابطة أعضاء هيئة التدريس بجامعة تورنتو، تيريزيا زوريك، إلى تشويه السمعة لقولها إن هناك “أقلية صهيونية قوية” تنخرط في “حرب نفسية” ضد أولئك الذين يناضلون من أجل أزاروفا. وزعم بناي بريث أن زوريك “تذرعت بأساطير المؤامرة المعادية لليهود منذ قرون” وتم تقديم التماس لإقالتها من عملها.
وفي أماكن أخرى من تورنتو، سعى اللوبي الإسرائيلي إلى تدمير مصدر رزق فائز ثماني مرات بجائزة الرابطة الكندية للصحفيين. في 8 أيلول (سبتمبر)، شبه كاتب العمود في قناة الجزيرة الإنجليزية، أندرو ميتروفيتشا، الجيش الإسرائيلي بالمافيا بعد أن أطلق قناص من الجيش الإسرائيلي النار على فتى فلسطيني يبلغ من العمر 12 عاما وقتله. وكان حسن أبو النيل هو الطفل الفلسطيني الثالث والسبعين الذي يقتل على يد الجيش الإسرائيلي هذا العام.
وبعد أسبوع من ذلك، اتهمت منظمة “النزاهة الصحفية الكندية” ميتروفيتشا بـ”الكراهية” في بيان أرسل إلى رئيس كلية شيريدان حيث يعمل مدرسًا للصحافة. وعندما دافعت جانيت موريسون، رئيسة كلية شيريدان، عن حق ميتروفيتشا في “حرية التعبير”، كثف اللوبي الإسرائيلي الخطاب ضده. وزعم أصدقاء “مركز أصدقاء سيمون ويزنتال في كندا”، في بيان، أن الأستاذ استخدم “المجازات المعادية للسامية لشيطنة إسرائيل”، بينما نشرت باربرا كاي عمودًا بعنوان “أستاذ الصحافة ينتهك قواعد خطاب الكراهية بمقارنته قوات الدفاع الإسرائيلية بالمافيا”. وفي 6 تشرين الأول (أكتوبر)، نشرت منظمة “النزاهة الصحفية” بيان متابعة زعمت فيه أن “لدى شيريدان التزام ائتماني بحماية الطلاب اليهود والمؤيدين لإسرائيل من الكراهية. مطلوب إجراء تحقيق واتخاذ إجراءات تأديبية”.
مع أن هذه الحملات تستهدف الأفراد، فإنها مصممة لخلق شعور بالخوف من إسرائيل. وقد التقيت في حدث لتوزيع المنشورات بعنوان “فلسطينيون ويهود متحدون” مؤخرًا بشاب يبلغ من العمر 20 عامًا كان يعمل بدوام جزئي في الإشراف على فصل دراسي لطلبة بأعمار سبعة وثمانية أعوام خلال وقت الغداء في مدرسة اللغة الإنجليزية في مونتريال. وعندما تصاعد العنف الإسرائيلي والتطهير العرقي في الربيع، تحدث الشاب مع بعض الأطفال عن ذلك وكتب على السبورة أن إسرائيل شنت حربًا بأسلحة كندية.
لكنه ارتكب خطأ حين لم يقم بمحو الرسالة عن السبورة قبل الانتهاء من مناوبته، ما أثار حالة من الذعر في المدرسة وتم إرسال الشرطة إلى المركز المجتمعي حيث كان يعمل أيضًا للتحقيق في جريمة كراهية محتملة. وتم تسريحه من العمل في المدرسة والمركز الاجتماعي (بمجرد تدخل محام، سددا قيمة عقده).
في حين أن هناك ديناميات جيوسياسية، واستعمارية، وعرقية، وغيرها من الديناميات التي تشكل مناخ الخوف، فإن المصدر الأكثر خطورة هو عشرات الكنديين الذين يعملون بدوام كامل في حملات الضغط من أجل إسرائيل. (تخميني هو أن هناك نحو 200 من أعضاء جماعات الضغط مدفوعة الأجر). وليست هذه نظرية “مؤامرة” أو “مجاز معاد لليهود”، وإنما هو بالأحرى معلومات تم جمعها بسهولة من مواقع المنظمات الموالية لإسرائيل.
في “مرحبًا بكم في عالم الافتراءات الإسرائيلية مدفوعة الأجر”، قمت بتفصيل النظام البيئي التنظيمي والمالي لهذه المجموعات. تعمل مجموعات صندوق ثروة شيلدون أديلسون، المتبرع الجمهوري الراحل، في كندا، في حين يقوم المليارديرات الكنديون مثل لاري تانينباوم، وجيرالد شوارتز/ هيذر ريسمان، وسيلفان آدامز، وكذلك أزريلي، وبرونفمان، وشيرمان، وعائلات فاحشة الثراء، بتمويل جماعات اللوبي أيضاً.
معًا، تجمع منظمة النداء اليهودي الموحد/ النداء اليهودي المشترك في تورنتو ومونتريال ووينيبيغ وويندسور وكالغاري وإدمونتون وهاملتون ولندن وأوتاوا وفانكوفر وكندا الأطلسية، أكثر من 300 مليون دولار سنويًا، ولديها أكثر من مليار دولار في شكل أصول. ولدى ذراع اللوبي في منظمة النداء اليهودي الموحد والنداء اليهودي المشترك، ومركز الشؤون الإسرائيلية واليهودية أكثر من 40 موظفًا وميزانية تبلغ 10 ملايين دولار. وإضافة إلى ذلك، لدى بناي بريث عدد قليل من المكاتب في جميع أنحاء البلاد. ومن جانبه، تبلغ ميزانية مركز أصدقاء سيمون ويزنتال في كندا” ما بين 8 و13 مليون دولار سنويًا. وتعمل هذه المجموعات بشكل وثيق مع منظمات “قفوا معنا، كندا” و”كاميرا” و”إسرائيل في حرم الجامعات”، “والصحافة النزيهة في كندا” وغيرها من المنظمات السياسية القومية الإسرائيلية (اليمينية المتطرفة غالبًا).
وكثيراً ما يشارك أكثر دزينة من المراكز اليهودية في الحرم الجامعي، إضافة إلى أقسام الدراسات الإسرائيلية واليهودية التي أنشأها عادةً مؤيدو إسرائيل الأثرياء، في حملات التشهير ضد الفلسطينيين. كما تشارك العشرات من المؤسسات الخيرية الكندية المسجلة، بدءًا من “الصندوق القومي اليهودي” إلى منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، في بعض الحملات المؤيدة لإسرائيل على الأقل.
يمتلك اللوبي الإسرائيلي موارد أكثر بكثير من موارد الحركة المؤيدة للفلسطينيين. لكنه أيضا أكثر تصميما. وفي حين أن اللوبي الإسرائيلي مركّز وعديم الرحمة في كثير من الأحيان، فإن الجانب الفلسطيني يتم تخويفه بسهولة وينحرف عن مساره.
في الآونة الأخيرة، أظهر محرر في المنفذ الإعلامي اليساري الجديد “ذا بريتش” The Breach كيف أن التقدميين غالباً ما يتركون اللوبي الإسرائيلي يشكل النقاش. واشتكى من أنني عندما دافعت عن مطعم “فودبِندرز” والناشط ديمتري لاسكاريس من الهجمات، فإنني لم أُظهر أبدًا ما يكفي من العناية بشأن الاستعارات التمييزية التي ربما استخدمتها.
بعد عرض لافتة تقول “أحب غزة” في نافذته في نهاية العام 2019، بدأ اللوبي الإسرائيلي في استهداف “فودبِندرز”، وهو متجر يساري صغير للشطائر تملكه أم عزباء. وعندما نشرت كيمبرلي هوكينز على “إنستغرام” بعد ستة أشهر: “مفوح الآن حتى 8 مساءً للمتسوقين غير العنصريين # بلورديل # بلودستريت # تورينتو # مفتوح # تباً للشرطة # فلسطين حرة، و# الصهاينة غير مرحب بهم، انتقد اللوبي المناهض للفلسطينيين هاشتاغ الصهاينة غير مرحب بهم باعتباره تمييزياً”.
كما زعموا أن سلسلة من التصريحات الأخرى التي أدلت بها كانت تغذي المجازات المعادية لليهود. ومن ناحيتي، كان ما رأيته هو قيام شخص ما بتصريحات سياسية تقدمية، وإن كانت فجّة، حول مجموعة من القضايا مثل نشوء مجموعة “كو كوكس كلان في كندا”، وتباً للشرطة، وما إلى ذلك. ولكن، حتى لو أنني قبلت أسوأ تفسير لتصريحات هوكينز، فأنا لا كيف كان “تقدميًا” تغزية الحملة للتسبب بإفلاس مطعم يساري صغير، والتي تضمنت استهداف موفري الدفع له، وخدمات التوصيل، ومضيف موقع إلكتروني، وترخيص المدينة، وما إلى ذلك.
تعرض الشكوى بشأن لاسكاريس تناقضاً صارخاً بين قوة اللوبي الإسرائيلي ومراوغة التقدميين. بعد تنظيم تجمع في العام 2018 ضد تشهير بناي بريث بالاتحاد الكندي لعمال البريد، دعا لاسكاريس النائبين الليبراليين، أنتوني هاوسفاذر ومايكل ليفيت، و”لجنة العدالة والمحاسبة الدولية”، وآخرين ممن دافعوا علنًا عن بناي بريث في فترة التحضير للاحتجاج، إلى التنصل من اثنين من أنصار تلك الجماعة كانا قد دعيا إلى قتل عدد من السياسيين المسلمين والملونين في مقطع فيديو يشرح بالتفصيل مشاركتهم في الاحتجاج المضاد للتجمع ضد بناي بريث.
غرد لاسكاريس على “تويتر” عن مؤيدي بناي بريث اللذين “دعيا إلى توقيع عقوبة الإعدام على جاستن ترودو والنواب الليبراليين إقرا خالد وعمر الغبرة ومريم منصف”، وطالب ليفيت ورئيس المجلس بـ”استنكار” التهديدات “لكنهم، للأسف، لم يقولوا أي شيء”. ثم غرد لاسكاريس: “يبدو أن النائبين الليبراليين، أنطوني هاوسفاذر ومايكل ليفيت، مخلصان لإسرائيل الفصل العنصري أكثر من إخلاصهما لرئيس وزرائهما وزملائهما في التجمع الليبرالي”.
وبدلاً من النأي بنفسها عن النشطاء الإسرائيليين العنصريين المُعلنين الذين أطلقوا تهديدات بالقتل، اتخذت “لجنة العدالة والمحاسبة الدولية” جانب الهجوم، ما دفع رئيس الوزراء، وزعيم حزب المحافظين، وزعيم الحزب الوطني والعديد من الآخرين إلى إدانة تغريدات لاسكاريس. وزعموا أنه استخدم مجازا معاديا لليهود، والآن، بعد ثلاثة أعوام، ما يزال بعض التقدميين يواصلون التركيز على ذلك بدلاً من أهمية الدفاع عن ناشط يساري مؤيد للفلسطينيين من هجوم شرس.
عندما تسعى حركة جيدة التمويل ومنسقة تدافع عن دولة فصل عنصري عنيفة، إلى تدمير سبل عيش الناس التقدميين، يجب على اليساريين أن يتعاملوا بحذر عندما يتعلق الأمر بتمكين تلك الهجمات.
ثمة أغنية قديمة لبيت سيغر، مع جوقة تكرر هذه الكلمات: “في أي جانب أنتم يا أولاد؟ في أي جانب تقفون؟”، وما تزال هذه الكلمات ذات صلة اليوم.
*مؤلف كتاب “كندا وإسرائيل: بناء الفصل العنصري” وعدد من الكتب الأخرى.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The ‘Cancel Culture’ of Israel Lobby in Canada