عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jun-2024

‏لماذا ما نزال نقرأ الكتب؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

لورانس آر صموئيل* - (سايكولوجي توداي) 2024/5/12
 
‏يبدو أن لدى البشر حاجة أساسية للسرد والكلمة المكتوبة.
* * *
• ‏توقَّع الناس أن تنقرض قراءة الكتب بسبب التقنية الرقمية.‏
• ‏ظلت قراءة الكتب نشاطًا شائعًا في العصر الرقمي.‏
• ‏يبدو أن القراءة هي نزوع إنساني أساسي متجذر في الإدراك.‏
 
 
 
بينما كان يصبح واضحًا في تسعينيات القرن العشرين أن الثقافة الرقمية ستُحدثُ تحوُّلاً في الحياة اليومية، توقع العديد من النقاد أن الكتب ستذهب في الطريق الذي سلكه الحصان والعربات التي تجرها الدواب.
 
 
 
واعتقدوا أنه سرعان ما سينظر إلى الكتب وثقافة الطباعة بشكل عام على أنها مفارقات تاريخية في عالم يتم فيه إرسال المعلومات وتلقيها بواسطة تقنيات أكثر تقدماً، مرددين صدى نظرات الخبراء الذين أعربوا عن رأي مماثل عندما ظهر التلفزيون قبل نصف قرن من ذلك.‏
 
 
مع ذلك، لم تصبح ثقافة الطباعة قديمة عفا عليها الزمن، وما تزال قراءة الكتب، سواء كنسخ ورقية أو في شكل رقمي، نشاطًا شائعًا. وفي الواقع، كانت مبيعات الكتب قوية في السنوات الأخيرة، في ما يرجع جزئياً إلى انتشار الوباء. وارتفعت مبيعات الكتب المطبوعة بنسبة 9 في المائة في العام 2021، وفقًا لمطبوعة الناشرين الأسبوعية ‏‏Publishers Weekly‏‏، وظل هذا السوق قوياً منذ ذلك الحين.‏
‏لماذا سارت الأمور على هذا النحو؟ ما الشيء الذي يميز الكتب التي ما تزال موجودة بشكل أو بآخر منذ العام 500 قبل الميلاد (كمخطوطات مكتوبة باليد)، والذي يجعلها سمة أساسية للحالة البشرية كما هي؟‏
 
 
‏قدمت العقول النيرة بعض الإجابات عن هذه الأسئلة، وأحدها كان كارمن مارتن غايت Carmen Martin Gaite، التي عبرت عن رأيها في العام 1989. وكتبت غايت وقد اختبرت هذا الشعور الخاص في سن مبكرة: "توفر القراءة نظرة ثاقبة إلى عالم سري يحرر المرء من الضغوط العدائية ‏‏للبيئة؛ من‏‏ الروتين والخداع الذي تنتجه المواجهة مع الواقع".‏
 
 
‏من المفارقات أن هذه "الجائزة التي تمنحها القراءة"، كما وصفتها غايت، ما يزال بالإمكان الشعور بها وتقديرها في وقت ينظر فيه البعض إلى الجلوس مع كتاب فعلياً على أنه ممارسة قديمة -بل سخيفة. إن التركيز ‏‏الذي‏‏ تتطلبه القراءة المتعمدة يوفر إحساسًا بالهدوء في عالَم يصبح محمومًا باطراد، كما قال غايت، معتبرة فرصة الهروب من الضوضاء والفوضى واعتناق العزلة "إنجازًا مُعجزًا".‏
 
 
و‏في كتابه ‏‏"ضائع في كتاب: سيكولوجية القراءة من أجل المتعة" Lost in a Book: The Psychology of Reading for Pleasure، الذي صدر في‏‏ العام 1988، قال فيكتور نيل Victor Nell نفس الشيء تقريبًا. تشكل القراءة بالنسبة لنيل، كما بدأ كتابه، "مثيرة، ملونة ومُغيِّرة مثل أي شيء حاضر في العالم الحقيقي" وفرصةً نادرة "لأن يكسب المرء السلام، ويصبح أكثر قوة، ويشعر بأنه أكثر شجاعة وحكمة".‏
 
 
‏إلى جانب هذه التأملات، قدم نيل إحصاءات مستمدة من الأبحاث السريرية التي قدمت أدلة على حجته بأن القراءة تقدم فوائد نفسية لأولئك الذين يأخذون الوقت الكافي لممارستها. وأشار إلى أن القراءة ليست مجرد تجربة ممتعة، بل تجربة كونية تقريبًا، وهو ما يعني أن هناك دافعاً إنسانياً أساسياً لإنتاج السرد واستهلاكه. وأظهر البحث أن إطلاق الذات لتسرح وتضيع في كتاب، كما يوحي عنوانه، هو شيء جيد جداً لكل من الدماغ والجسم -وهو أمر يعرفه القراء المخلصون للقراءة مُسبقًا.‏
 
 
‏أثار التشكيك في دور القراءة في العصر الرقمي موجة من الأفكار التي قدمت رؤى ثاقبة حول سبب اختيار الناس قضاء وقتهم الثمين في النظر إلى الكلمات في كتاب أو على شاشة. لماذا يقرأ المرء بدلاً من مشاهدة فيلم أو الاستماع إلى الموسيقا أو التمشي في الحديقة؟‏
 
 
‏طرحت باربرا هيرنشتاين سميث Barbara Herrnstein Smith هذا السؤال الجيد وقدمت بعض الإجابات الجيدة بالقدر نفسه. بالنسبة لها، تشكل القراءة في الأساس نوعًا معينًا من المسح الضوئي للبيئة؛ بمعنى أنها محاولة بصرية لتحديد ما هو جيد أو سيئ في العالَم. ويقوم الناس بمسح البيئة طوال الوقت بهذه الطريقة، وهي غريزة طبيعية لتقييم الإشارات للحصول على معلومات قد تكون مفيدة.‏
 
 
‏كنشاط معرفي، يمكن أن تخدم القراءة جميع أنواع الأغراض، حيث ثمة أغراض معينة تعتمد على دافع الفرد فيما يتعلق بالمادة. وكتبت سميث: "ما يمكن أن تفعله القراءة يعتمد على مَن يقوم بالقراءة بقدر ما يعتمد على ما تتم قراءته"، حيث "التواريخ الشخصية، والثقافية، والفكرية؛ والمواقف المميزة؛ والاهتمامات؛ ومكامن القلق؛ والعمل المميز للأعضاء، بما في ذلك أعصاب الدماغ"، تدخل في المعادلة.‏
 
 
باعتبارها نشاطًا ‏متينًا، مرنًا ومقاومًا بطريقة ما للقوى الخارجية، تظل القراءة في جوهرها مسعى إنسانياً أساسياً، والتقارير عن موتها الوشيك مبالغ فيها إلى حد كبير. إن قراءة الكتب، سواء كانت روائية أو غير روائية أو كل شيء بينهما، ليست مجرد ملاذ من العاصفة الثقافية. إنها عامل علاجي شافٍ يبدو أنه يتأسس في كيمياء الدماغ.‏
 
*د. لورانس آر صموئيل، Lawrence R. Samuel‏‏، هو مؤسس AmeriCulture، وهي شركة استشارية مقرها ميامي ومدينة نيويورك مكرسة لترجمة المشهد الثقافي الناشئ إلى فرص عمل. حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة مينيسوتا ومؤلف العديد من الكتب.
 
مراجع‏
‏(1) نيل، فيكتور. (1988). "ضائع في كتاب: سيكولوجية القراءة من أجل المتعة". نيو هافن، كونيتيكت: مطبعة جامعة ييل.
Nell, Victor. (1988). Lost in a Book: The Psychology of Reading for Pleasure. New Haven, CT: Yale University Press.
‏(2) صموئيل، لورانس ر. (2024). "محو الأمية في أميركا: تاريخ ثقافي للقرن الماضي". لانهام، م.د: (رومان وليتلفيلد).‏
Samuel, Lawrence R. (2024). Literacy in America: A Cultural History of the Past Century. Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
 
 
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Do We Still Read Books?