عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Mar-2023

المركز الدستوري للنائب بعد تجميد عضويته*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي 

صوّت مجلس النواب قبل أيام على تجميد عضوية النائب عبد الرحمن العوايشة لمدة أربعة أشهر، وذلك بسبب ثبوت تطاوله على وزير العدل، حيث جرى اعتبار هذا التصرف بأنه يشكل مخالفة صريحة لمدونة السلوك النيابية، التي تلزم النائب بأن يحترم المجلس الذي هو منتسب إليه، وأن يتجنب ما من شأنه الإساءة إلى سمعته وهيبته باعتباره أحد أهم مؤسسات الدولة.
 
وقد تعددت قرارات التجميد التي أصدرها مجلس النواب التاسع عشر بحق أعضائه، إذ سبق للمجلس أن قرر تجميد عضوية النائب حسن الرياطي لمدة سنتين، بالإضافة إلى إصداره قرارات بالفصل بحق اثنين من أعضائه السابقين.
 
ويثور التساؤل الأبرز هو الوضع الدستوري للنائب الذي تقرر تجميد عضويته، ومدى استحقاقه للمخصصات المالية المقررة لعضو مجلس النواب خلال فترة التجميد، وإمكانية تمسكه بالحصانة النيابية المقررة لأعضاء السلطة التشريعية التي تحول دون ملاحقتهم أمام المحاكم المختصة.
 
إن النائب الذي يتقرر تجميد عضويته النيابية يتم حرمانه من مخصصات العضوية في مجلس النواب طيلة فترة التجميد، وذلك على اعتبار أن عضو مجلس النواب لا يعتبر موظفا عاما يتقاضى راتبا شهريا، وإنما تصرف له مخصصات مالية مقابل حضوره جلسات مجلس النواب. فالنائب الذي يصدر قرار التجميد بحقه يتوقف عن الحضور إلى مجلس النواب، ويحرم من متابعة أعماله النيابية. بالتالي، يكون القرار بعدم صرف مخصصات العضوية له خلال فترة التجميد متوافقا مع واقع الحال.
 
أما فيما يتعلق بالحصانة النيابية ومدى قدرة النائب الذي صدر القرار بتجميد عضويته من الاستفادة منها، فإن هذه الحصانة تعد ميزة وضمانة قررها المشرع الدستوري لأعضاء مجلسي الأعيان والنواب العاملين، وذلك بهدف تمكينهم من القيام بالأعمال المنوطة بهم من تشريع ورقابة على أكمل وجه.
 
وقد توسع الدستور الأردني من نطاق الحصانة النيابية لتشمل مظهرين اثنين يتمثلان بحرية الكلام والنقاش أثناء جلسات المجلس، وعدم جواز توقيف العضو أو محاكمته أثناء اجتماعات المجلس ما لم يصدر قرار برفع الحصانة عنه من المجلس الذي هو منتمي إليه.
 
وفيما يخص حرية الكلام وإبداء الرأي التي قررتها المادة (86) من الدستور، فيقصد بها عدم جواز مواخذة عضو مجلس النواب عن أي قول أو تصويت يبديه أو خطاب يلقيه أثناء جلسات المجلس. فمبدأ عدم المسؤولية الجنائية التي منحها المشرع الدستوري لأعضاء مجلس النواب ضد جرائم القول والكلام يمتد نطاقه ليشمل كل ما يصدر عن النائب من عبارات وأقاويل أثناء اجتماعات المجلس، فهو يتمتع بحماية دستورية من الملاحقة والمساءلة القانونية بسبب آرائه وتصريحاته التي يدلي بها أثناء اجتماعات المجلس.
 
وحيث إن النائب الذي تقرر تجميد عضويته سيحرم من حضور جلسات مجلس النواب والمشاركة فيها، بالتالي لا يثبت له الحق في التمسك بالمظهر الأول من مظاهر الحصانة النيابية، المتمثل بحرية الكلام والنقاش، وذلك لتعذر انطباقها عليه.
 
أما بخصوص المظهر الثاني من مظاهر الحصانة النيابية المتعلق بعدم جواز توقيف النائب ومحاكمته أثناء اجتماعات المجلس إلا بعد الحصول على إذن من مجلس النواب، فإن المشرع الدستوري قد فرض مجموعة من القيود على تمتع النائب بهذه الميزة أهمها أن يكون المجلس مجتمعا، وذلك عملا بأحكام المادة (87) من الدستور. فإن توقفت جلسات مجلس النواب ودوراته، أو تقرر حله، تسقط الحصانة الإجرائية عن العضو، ويصبح عرضة لتطبيق القانوني الجزائي عليه أسوة بأي مواطن آخر وعلى قدم المساواة.
 
وهنا تكمن الفلسفة الدستورية للحصانة الإجرائية التي تتمثل بعدم تعطيل النائب عن حضور جلسات المجلس واشغاله عنها بإجراءات المحاكمة القضائية. فهذه الحصانة ليست حقا شخصيا ثابتا للنائب، وإنما ضمانة دستورية للمجلس ابتداء وللناخبين من بعده، ولا أدل على ذلك أن المادة (146) من النظام الداخلي لمجلس النواب قد حرمت النائب من أن يتنازل عن حصانته دون موافقة المجلس.
 
وقد أكدت المحكمة الدستورية على أهمية الحصانة النيابية في قرارها التفسيري رقم (7) لسنة 2013 بالقول «إن المشرع الدستوري قد أراد إضفاء حصانة على أعضاء مجلسي الأعيان والنواب خلال مدة اجتماع مجلس الأمة، وذلك لحمايتهم من أية إجراءات جزائية قد تتخذ ضد أي منهم تحول بينه وبين قيامه بواجباته الرقابية والتشريعية المنوطة به بموجب أحكام الدستور».
 
وحيث إن النائب الذي صدر القرار بتجميد عضويته لن يقوم بأي عمل تشريعي أو رقابي بسبب حرمانه من حضور جلسات المجلس، فتكون الغاية من الحصانة النيابية وعدم جواز ملاحقته جزائيا دون صدور القرار بالإذن بالمحاكمة قد انتفت.
 
إن النائب الذي يتقرر تجميد عضويته لا تثبت له الحصانة النيابية أثناء فترة التجميد، فهو يفقد صفته كنائب بصورة مؤقتة، وإن كان يبقى محتفظا بمقعده النيابي الذي لا يتم إعلان شغوره بعد قرار التجميد.