عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Aug-2019

أحبِب ما تكره - إسماعيل الشريف

 

الدستور- (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) 155 البقرة.
 لم تصدق زوجتي أذنيها عندما قلت لها: جهزي نفسك والأولاد لنشتري بعض متطلبات العيد. أنا نفسي لم أصدق أن هذه الكلمات خرجت على استحياء من فمي، فهذه أول مرة في حياتي أبادر بعرض كهذا طيلة فترة زواجنا الطويلة للقيام بعمل لا أحبه.
لنعد قليلا إلى الوراء، فقبل فترة أصابتني حالة، سميتها بالصِّفرية، كان ذهني خاويا من فكرة أكتب مقالة حولها، وجسدي تسللت منه الطاقة، وحتى الابتسامة عندما كانت تزور محيّاي لم يخفَ على أحد أنها جاءت على مضض.
وأنا في حالتي الصِّفرية هذه ذهبت مرغماً مع صديقين إلى أحد المقاهي، الأول نظر إلي وقال: ما بك؟ انظر إلى الأمام واستمر في الحياة، فهذا سر الحياة. أجبته: هنيئا لك لأنك فككت لغز الحياة! أعرف أن نواياه كانت حسنة ولكن نصيحته كانت سيئة.
بعد أن تململ صديقي الآخر وتردد قال لي: أفضل طريقة للتعبير عن الشكوى من شيء هي أن تقوم به!
توقفت كثيرا عند كلامه وخطرت لي فكرة، لم لا؟ سأجرب، سأصدم جهازي العصبي «وسألخبط» كيمياء جسدي وأبدأ القيام بأعمال أكرهها، فالحقيقة أن ما أنجزته في حياتي هو في معظمه نتاج لأعمال لم أحبها ولم أستمتع بها وكانت محفوفة بالتحديات، ولكنها في نهاية المطاف حققت لي قدرا من الاستقرار ووفرت لي النضوج والخبرة.
عملت في وظائف كرهتها ولكنها وفرت لي فرصة تأمين حياة كريمة لعائلتي، وأخذتني إلى مناطق حروب ودول بوليسية كانت سببا لنجاح مؤسستي، وأجبرتني على التعامل مع صفات دنيئة في أُناس معهم ذقت حلاوة النجاح.
بدأ الموضوع يعجبني وبدأت القيام بأعمال أكرهها، فبدأت أشعر بمعاني جميلة للحياة عند جلوسي مع جاري الثرثار، واستمتعت بالأسابيع الماضية وأنا أعمل في غربتي بعيدا عن عائلتي.
الفيلسوف نيتشه الذي عانى الكثير من الألم والمرض كتب عن فوائد الألم في الحياة وربط بين معنى الحياة والألم، حيث يقول: هل قلت يوما نعم للذة ما؟ إذن يا صديقي فقد قلت نعم لكل الويلات. فكل الأشياء متشابكة ومتيمة يعشق بعضها بعضا.
وصلت إلى قناعة مفادها أن متع الحياة تأتي بعد كثير من الألم، وهي نتيجة للطاقة التي بذلناها، ولن نحيا أبدا في عمل الأشياء التي نحبها، وكأني كنت حاضرا عندما قال صديقي نيتشه: ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى.
عزيزي، اذهب واكسر نفسك وافعل أكثر ما تكرهه، وابذل جهداً فوق العادة لتمنح عائلتك شيئا من حوائج هذا العيد.
التفتت إلي زوجتي وأمارات السعادة والدهشة بادية عليها وقالت: ما عرفتك! أجبتها: ولا أنا، هيا بنا.
كل عام وأنتم بخير.