قطعان المستوطنين مجدداً*د. خالد الشقران
الراي
تشكل الاعتداءات المستمرة والمتصاعدة لقطعان المستوطنين في الضفة الغربية والقدس خطراً وجودياً على الشعب الفلسطيني ومقدساته، وتقوض أسس الاستقرار في المنطقة بأكملها، فخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، سجلت أكثر من 2150 اعتداء للمستوطنين، وهو رقم ينذر بكارثة إنسانية خاصة وان هذه الاعتداءات قفزت بنسبة قياسية مقارنة بالعام الماضي، وتتخذ هذه الاعتداءات أشكالاً ممنهجة تتراوح بين الهجمات المسلحة المباشرة كما حدث في بلدة سنجل شمال رام الله، حيث حاصر مستوطنون مسلحون مواطنين أثناء محاولتهم إنقاذ مصابين مما أسفر عن استشهاد اثنين وإصابة العشرات، وبين التهجير القسري كما في خربة أم الخير ومسافر يطا حيث يتهدد خطر الترحيل 1200 فلسطيني بينهم 500 طفل.
في موازاة ذلك، تستهدف الاعتداءات المقدسات الإسلامية والمسيحية في محاولة صريحة لطمس الهوية الدينية والثقافية لفلسطين، حيث شهد المسجد الأقصى اقتحام أكثر من 33,634 مستوطناً خلال النصف الأول من 2025 تحت حراسة قوات الاحتلال، بينما تعرضت الكنائس لهجمات متكررة كحادثة إحراق أشجار مقبرة الطيبة المسيحية واقتحام كنيسة حبس المسيح في القدس وتكسير محتوياتها، وتأتي هذه الهجمات التخريبية للمستوطنين تحت حماية الحكومة الاسرائيلية المتطرفة التي تغذي اعمالهم بخطاب كراهية رسمي حيث يروج وزراء إسرائيليون كإيتمار بن غفير لتصنيف المسيحيين «كعبدة أوثان»، مما يفسر 36 حادثة إساءة ضد المسيحيين في القدس وحدها خلال ثلاثة أشهر.
أما على الصعيد الإنساني، فقد بلغ عدد شهداء الضفة منذ أكتوبر 2023 نحو 980 فلسطينياً، بينهم 23 قضوا برصاص المستوطنين مباشرة، وتفاقمت المعاناة مع تدمير 727 منشأة فلسطينية منذ بداية 2025، منها 469 مصدر رزق زراعي، مما أفقد آلاف العائلات سبل عيشهم، كما سجلت اعتداءات متكررة للمستوطنين على مصادر المياه في المناطق الفلسطينية، وحولت الجدران العازلة قرى كسنجل إلى سجون مفتوحة، حيث يتحكم الاحتلال بحركة السكان عبر بوابات عسكرية.
وفي مواجهة هذا التطرف غير المسبوق تاريخيا فقد جسد الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني خطاً ثابتاً في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، حيث أدانت المملكة هذه الاعتداءات ووصفتها بالهمجية والخرق الصارخ للقانون الدولي، وطالبت مرارا بضرورة وجود موقف دولي حازم لوقف الإبادة الجماعية في غزة والضفة، كما أكدت وجوب حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس انطلاقا من مسؤولياتها المبثقة من الوصاية الهاشمية التاريخية على الاماكن المقدسة في القدس، وضرورة تحقيق حل الدولتين كضمان وحيد للسلام.
خلاصة القول ان هذه الاعتداءات باتت تشكل تهديدا للفلسطينيين وللأمن الإقليمي، خاصة مع توسع المستوطنات بنسبة 40% ابان حكومة نتنياهو المتطرفة، وفي الوقت الذي يشجع صمت المجتمع الدولي إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها، تتعالى المزيد من اصوات المؤسسات الإقليمية والدولية لتحذر ليلا ونهارا من خطورة تحول الصراع إلى مواجهة دينية مفتوحة اذا استمرت الاعتداءات الاسرائيلية المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني الاعزل، وعليه فقد اصبحت مسألة حماية الفلسطينيين ومقدساتهم واجباً أخلاقياً وشرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، في حين يظل الموقف الأردني برفضه القاطع للاحتلال ودفاعه عن الشرعية الدولية منارة تدعو العالم لحماية القيم المشتركة ومرجعية أخلاقية تذكر الجميع بضرورة واهمية العمل الدولي المشترك لانهاء المعاناة التاريخية للشعب الفلسطيني، وأن القدس ليست حجراً وشجراً وانما هي انعكاس لضمير الإنسانية.