الغد
جبلت النفس البشرية على حب الخير، وكره ولفظ الظلم، ومحاولة نصرة المظلوم، أكان على مستوى الدول أم الأفراد.. فنحن بنو يعرب كنا وما نزال وسنبقى نقدس المقاومة، التي تقاتل المستعمر، وتقاوم المحتل، وتجهد في سبيل إرجاع الحقوق المسلوبة إلى أصحابها بشتى الوسائل، بعيدا عن خلفياتها الدينية أو العقائدية أو الأيديولوجية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن جميع أصحاب قضايا الحق، أيا كانت، وخصوصا ممن احتلت أراضيهم، قهرا وعنوة، يتغنون ببطولات الثوري الماركسي تشي جيفارا، ويعتبرونه أيقونة الثورة والتمرد، غير ناظرين إلى خلفيته أكانت دينية أم عرقية أو حتى هويته، بل كان اهتمامهم منصبا لجعله قدوة يحتذى بها لتطهير الأراضي العربية المغتصبة من الكيان الصهيوني، ومن قبله الاستعمار بأشكاله المختلفة، فضلا عن كيفية دعم ذلك الثوري، حتى ولو بالكلمة أو الرسم، فقد تم طباعة صورة جيفارا على قمصان الملايين من البشر، ومثلهم بعشرات الملايين من أصحاب الضمائر الحية، ممن كانوا يؤمنون بالمقاومة حلا أساسيا لاسترجاع الحقوق.
إذا كانت السياسة فمن الممكن، وتحقيق المكاسب بأقل الخسائر، فإن المقاومة المشروعة حق أساسي، أوجدته النفس البشرية الرافضة للقهر، والاستيلاء على الأوطان بغير وجه حق.. وإذا كانت السياسة مسموحا فيها كل شيء، من أجل الفوز بالغنائم، من غير اكتراث بآلام وآهات الشعوب، فإن المقاومة أيضا من حقها أن تلعب سياسة، من أجل تحقيق ما تصبو إليه، شريطة أن تكون متيقظة، وحذرة مما يحاك لها ولقضيتها في الخفاء.
الكثير من أبناء جلدتنا يتناسى بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي ماضية، بكل ما أوتيت من قوة، وبدعم غربي، يقف على رأسه الشيطان الأكبر في العالم (الولايات المتحدة الأميركية)، إلى تدمير بلد عربي جديد (لبنان)، بعد أن أنهكت قطاع غزة بوابل من القنابل الوحشية، وقبل ذلك أطبقت عسكريا واستراتيجيا على الضفة الغربية المحتلة بالأصل.
يعاب على البعض من العرب، بأنهم متشبثون بآرائهم وطروحاتهم وأفكارهم، لا بل أن بعضهم أيضا يملكون «صكوك غفران»، ولديه حق في تكفير آخرين.. كل ذلك يأتي في وقت والعدو الصهيوني يتربص بدول المنطقة العربية، وما الأردن ببعيد عن كل ذلك، وما نزال نحن أبناء المنطقة نتذكر التاريخ، ونسقطه على الواقع الحالي.
المقاومة، أيا كانت نوعها، ستبقى مقدسة، ومطلبا للشعوب المقهورة، طالما تسير في طريق صحيح وسليم، وهناك سيطرة «كنترول» على خطوطها ومشاريعها من أجل تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها، ولطالما كانت لا تتجاوز خطوطا حمراء، قد تعود بالويلات على بلدانها وأهاليهم.
الأمل معقود بأن لا يكون مشكلة البعض هي فكرة المقاومة بحد ذاتها، فتراهم حينا يقدسونها ويتغنون بها إذا كانت متماشية مع أهدافهم وغرائزهم، وتتوافق مع معتقداتهم وطروحاتهم، ويهاجمونها ويكيلون لهم التهم في حال لم تأت على أهوائهم.
لماذا تهاجم مقاومة، وتمدح أخرى، طالما تقاوم وتقاتل المحتل المستعمر.. وإذا قيل بأن هناك مقاومة تتبع دولا ما، لها أهداف خبيثة، وتتربص بدول المنطقة، فنقول يكفي أن الظاهر من هذه المقاومة بأنها تقاوم عدوًا صهيونيًا متقدما عسكريا واستخباراتيا وتكنولوجيا وماديا، ومدعوم أميركيا وغربيا، وليس من العقل في شيء أن يتم التسليم بذلك، ومن ثم الاستسلام بلا أدنى مقاومة.
يجب أن نعي تماما، ونتيقن بأن العدو الأساسي لهذه الأمة هو الاحتلال الإسرائيلي.. وهنا أتذكر مقولة للرئيس الراحل صدام حسين بأن «العدو الأول للعراق وللأمة العربية هي إسرائيل».