عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2022

أثناء السعي وراء تحقيق الأهداف.. هل ينسى الإنسان عيش حياته؟

 الغد-رشا كناكرية – “في وسط هذا الروتين المتكرر لا تنس نفسك”.. “كن عطوفا على نفسك”، “لست مضطرا لإبهار أحد غيرك.. استمتع”، “لا تقبل بحياة لا تشعر فيها بالحياة”؛ وغيرها الكثير من الرسائل التي تظهر خلال تصفح مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لتذكر الإنسان بضرورة ألا يقسو على نفسه وأن يستمتع بالحياة وكل تفاصيلها.

ففي الوقت الذي يتخبط فيه الفرد بانشغالات الحياة الكثيرة بين التفوق والعمل والجري وراء النجاح والكسب المادي، قد ينسى أن هنالك لحظات جميلة عليه أن يعيشها قد تكون تفاصيل صغيرة ولكنها تقدم له الحافز للاستمرار وليشعر بجمال أيامه.
وفي مقابل ذلك، فإن ظروف الحياة والوضع الاقتصادي الصعب قادا الفرد للتركيز على السعي لتأمين عيش كريم له ولعائلته، متناسيا بذلك أن يرفه عن نفسه ويستمتع بحياته، واضعا نفسه تحت ضغط كبير ومستمر قد يقود لانفجاره أو استسلامه وحتى لفشله في جانب ما.
يوسف عبدالرحمن (35 عاما)، يسعى جاهدا ويرهق نفسه ليحقق أهدافه التي وضعها، معتقدا أن السعي وراء لحظة جميلة يعيشها فيها ترفيه للنفس لن يحقق خططه أو يؤجل من طموحاته.
يبدأ يومه بين العمل والانشغالات الكثيرة دون أن يقدم لنفسه ما يمتعها، مبينا أن الكثير من الأصدقاء حوله يخبرونه أن يغير من هذا النمط الذي يعيشه، ولكن الخوف والقلق من أن انشغاله بأمور يحبها قد يفقده فرصة تحقيق النجاح والوصول لمبتغاه وتوقفه ليقول “إن الاستمتاع بالحياة أمر ثانوي لا يحتاجه الآن إنما حين يحقق ما يريده سيكون لديه متسع من الوقت”. هو يؤمن أن هذه الحياة تجري سريعا وتحتاج لانتهاز الفرص قبل أي شيء آخر.
بينما تسنيم (28 عاما) على عكسه تماما، فهي تعلم أن عليها أن تستمتع بالحياة رغم الضغوطات الكثيرة التي حولها، فهي مدركة أن اليوم الذي سيذهب من حياتها لن يعود أبدا، لذلك تحاول أن تفعل خلاله شيئا تحبه.
أضافت لحياتها قاعدة بأن تعطي كل شيء حقه ووقته، والموازنة في كل شيء بشكل طبيعي، وبين الحياة المهنية والاجتماعية، فهي تحرص على ألا تدع أحد الجوانب يطغى على الآخر، ودائما تعيش فرحة لحظتها.
هي تخاف أن تنظر يوما للوراء وتعيش شعور الندم على أيام ضاعت منها ولم تعشها كما يجب، منوهة إلى أنها قد تكون تفاصيل صغيرة ولكنها جرعات كبيرة من السعادة تدفع بها للأمام للاستمرار في السعي لتحقيق أهدافها.
ومن الجانب النفسي، تبين الاختصاصية عصمت حوسو، أن ضغوطات الحياة من غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي الصعب وتسارع الحياة، جميعها عوامل تدفع بالفرد الى الانشغال بها، متناسيا بذلك أن يعيش الحياة، فالكل يركض في طريقه وينسى أن يعيش يومه أثناء تلك الدوامة.
وتوضح حوسو، أن هنالك فرقا بين الحياة والعيش، فالعيش بمعنى أن نوفر الأكل والشرب والحاجات الأساسية كباقي الكائنات الحية الموجودة على الأرض، بينما الحياة هي التي نشعر فيها بالحيوية والتجدد، مبينة أنه من الجميل والمهم أن يكون للإنسان أهداف، ولكن المشكلة التي تمنع الإنسان من عيش حياته حينما يفتقد مهارة ترتيب الأولويات.
وتشير حوسو إلى أن كثيرا من الأشخاص لا يعلمون كيفية ترتيب الأولويات أو الآلية الصحيحة لوضع الأهداف أو مهارة وتقنية معينة تساعد على الموازنة في كل شيء.
ووفق حوسو، فإن ترتيب الإنسان لأولوياته قائم على خمسة أمور مهمة، واستطاعته على إنجاز ثلاثة منها خلال اليوم يحقق ذلك، ويجب أن يعلم أنه أبدع بهذا القدر، ولكن في مقابل ذلك، على الفرد أن يضع نفسه أولا، وهذه قاعدة للأسف بعض الأشخاص لا يفهمونها وغير مدركين لها.
ترتيب الأولويات من التقنيات النفسية التي تعد الأفضل والأقوى للوصول للراحة النفسية وإزالة التوتر والاستمتاع بما لدى الفرد، بحسب حوسو، إذ إن البعض يخلط بينه وبين الأنانية ويعتقدون أن الإنسان عندما يضع نفسه أولا يكون بذلك أنانيا، وهذا خطأ تربوي ومفاهيمي زرع في أدمغتنا.
وتشير حوسو إلى أنه عندما يضع الإنسان نفسه في المقدمة فهو بذلك قادر على شحن نفسه حتى يقوم بأدواره بالشكل الصحيح، بمعنى أن الأم إذا لم تكن مرتاحة، من الصعب أن تقدم لأطفالها الحب والعاطفة، وكذلك من الصعب أن تهتم بزوجها، والزوج إذا كان يعاني في حياته وتتراكم الضغوطات عليه سيعاني من الصعوبة بأن يقوم بأدواره أو ينتج بعمله، لذلك “علينا أن نضع أنفسنا أولا لنكون قادرين على التوازنات وإعطاء كل شيء حقه”.
وتشدد حوسو على أن الأولوية الأهم تكون على الشخص نفسه، فهو يبحث عن مصادر سعادته ويقدم لنفسه مساحة لكي يستريح ويفعل الأمر الذي يحبه حتى يستطيع أن يشحن طاقته ليعود ويقوم بأدواره ويحقق أهدافه.
وتبين حوسو أن الإنسان الذي لا يتقن هذه التقنية النفسية يقف عاجزا ولا يقوم بالأدوار بكفاءة، وقد يكون هنالك أدوار على حساب الأخرى، كما يغيب الرضا عن الحياة، لذلك من المهم اتباع الطريقة الصحيحة والتدريب عليها وتعلم مهارة ترتيب الأولويات للوصول للأهداف من دون الإضرار بالأشخاص الذين نحبهم.
وبحسب حوسو، فإن من المهم تعليم الأطفال في المدارس تلك المهارات التي تساعد على عيش الحياة بالطريقة الصحيحة من دون أن يطغى جانب على آخر ، وذلك من خلال المدرسة والجامعة، وتجهيزهم للحياة بحيث يستطيعون أن يتكيفوا ويستجيبوا للتحديات الكثيرة التي حولهم من دون أن يرهقوا أنفسهم.