عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Dec-2025

بين الجدية والاستعراض تحت القبة*مالك العثامنة

 الغد

ليس من الإنصاف ولا من الدقة الحديث عن مجلس النواب بوصفه كتلة واحدة متجانسة في الأداء والسلوك، ففي هذا المجلس نواب جادون، يعملون بصمت، يقرأون، يتابعون، ويسألون الأسئلة الصعبة دون ضجيج، لكن المشكلة أن هذا الجهد المتزن غالبا ما يُسحب من رصيده العام بسبب ممارسات استعراضية يقوم بها بعض النواب، فتختطف المشهد، وتطغى على الصورة الكلية، وتختزل المؤسسة كلها في لقطات لا تشبهها.
 
 
ما يثير القلق ليس النقد بحد ذاته، فالدور الرقابي بطبيعته نقدي وصدامي أحيانا، بل الطريقة التي يُقدَّم بها هذا النقد، فحين يتحول السؤال النيابي إلى عرض تمثيلي، وحين تُختصر الرقابة بحركة جسدية أو عبارة مصممة للكاميرا، يفقد الفعل السياسي معناه، ويصبح أقرب إلى محاولة لشد الانتباه لا لمساءلة السلطة التنفيذية.
بعض النواب، لا كلهم، ما زالوا يتعاملون مع القبة بوصفها مسرحا مفتوحا، ومع الجلسة العامة كفرصة لإثبات حضور شخصي لا لإنتاج موقف عام، وهذا النوع من الأداء لا يسيء فقط إلى صاحبه، بل يسحب من رصيد الوقار للمجلس كله، ويضعف ثقة الناس بالمؤسسة، ويُحرج النواب الجادين الذين يعملون ضمن منطق مختلف تماما.
الرقابة البرلمانية، حين تُمارس بمسؤولية، لا تحتاج رفع صوت ولا افتعال مشاهد، بل تحتاج معرفة، وصبرا، وقدرة على تتبع السياسات والقرارات، وربطها بالنتائج والأثر على حياة الناس، والتشريع ليس مناسبة للمزايدة الخطابية، بل عملية تراكمية دقيقة، تتطلب فهما قانونيّا عميقا وإحساسا عاليا بالمسؤولية الوطنية.
البيانات الصادرة عن جهات رقابية مستقلة، وعلى رأسها مركز راصد الذي يقدم أوراقا غاية في الأهمية والدلالة، تظهر أن المشكلة ليست في قلة الأدوات، بل في كيفية استخدامها. كثرة الأسئلة لا تعني بالضرورة رقابة فعالة إذا غابت النوعية والمتابعة، وهنا يظهر الفارق بين نائب يعمل داخل منطق الدولة، وآخر يعمل داخل منطق الجمهور اللحظي.
في هذا السياق، يبدو مجلس الأعيان أكثر تماسكا في صورته العامة، ليس لأنه بلا أخطاء، بل لأنه يتعامل مع دوره بمنطق الخبرة والتراكم والهدوء.
 هناك إدراك بأن الكلمة تُحسب، وأن النقاش ليس استعراضا، بل مسؤولية، وأن الوقار جزء من قوة المؤسسة لا ضعف فيها.
المطلوب اليوم ليس جلد مجلس النواب، ولا تلميع صورة على حساب أخرى، بل حماية الفعل البرلماني نفسه، وحماية المجلس من الشعبوية، وحماية النواب الجادين من أن يُختزلوا في مشاهد لا تمثلهم، فالديمقراطية لا تُبنى بالصراخ، بل بالعمل الهادئ، ومن يصر على العكس، مهما علا صوته، سيبقى خارج جوهر الدور الذي انتُخب من أجله.