لماذا ينجح توحيد التقويم المدرسي والجامعي في دول الخليج ويتعثر في الأردن؟*حسن الدعجة
الغد
يعاني النظام التعليمي في الأردن منذ سنوات من حالة واضحة من عدم الاستقرار في التقويمين المدرسي والجامعي، حيث يختلف موعد بدء العام الدراسي ونهايته، وفترات الامتحانات، والعطل الرسمية بين المدارس والجامعات، على نحو يجعل من الصعب على الأسر الأردنية وأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات، بل وحتى الطلبة أنفسهم، تنظيم حياتهم الأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية بصورة مستقرة. هذا التخبط الزمني لا يبدو مشكلة إدارية بسيطة، بل هو انعكاس لغياب رؤية تكاملية شاملة للنظام التعليمي بوصفه منظومة واحدة مترابطة، تبدأ من التعليم الأساسي ولا تنتهي إلا بالتعليم العالي. في المقابل، نجد أن دول الخليج العربي نجحت إلى حد كبير في توحيد التقويم المدرسي والجامعي، أو على الأقل تحقيق درجة عالية من التناغم بينهما، بما يقلل الارتباك، ويعزز الكفاءة، ويوفر الاستقرار للمجتمع التعليمي بأسره.
إن اختلاف التقويمين في الأردن يخلق سلسلة من الآثار السلبية المتراكمة. فمن ناحية الأسر، تواجه العائلات التي لديها أبناء في المدارس وآخرون في الجامعات حالة من الارتباك الدائم في تنظيم الإجازات، والسفر، والالتزامات الأسرية، وحتى إدارة النفقات، إذ تتداخل فترات الدراسة مع العطل بشكل غير منسجم، ما يحرم الأسرة من فترات راحة مشتركة ويجعل التخطيط المسبق شبه مستحيل. ومن ناحية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الذين لديهم أبناء في المدارس، يصبح التوفيق بين مسؤولياتهم الأكاديمية والتربوية تحدياً مرهقاً، خصوصاً حين تتزامن فترات الامتحانات الجامعية مع بداية العام المدرسي أو مع فترات يتطلب فيها الأبناء دعماً ومتابعة مكثفة. أما الطلبة أنفسهم، فيتأثرون نفسياً وسلوكياً بعدم انتظام الإيقاع السنوي، إذ يصبح الانتقال بين الدراسة والراحة غير واضح، وتضيع عليهم فرص الاستفادة المثلى من العطل للتطوير الذاتي أو التدريب أو حتى الاستجمام الحقيقي.
في المقابل، فإن توحيد التقويمين أو على الأقل تنسيقهما بشكل كبير يحمل جملة من الإيجابيات الجوهرية. فهو يعزز الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة، ويمنح الطلبة إحساساً واضحاً بدورة زمنية منتظمة، ما ينعكس إيجاباً على الدافعية والانضباط. كما يسمح للجامعات والمدارس بالتخطيط المشترك للأنشطة الوطنية، والبرامج التطوعية، والدورات الصيفية، والتدريب العملي، ضمن إطار زمني واضح ومشترك، بدلاً من العمل في جزر زمنية منفصلة. إضافة إلى ذلك، يسهم التقويم الموحد في تحسين كفاءة استخدام الموارد، سواء كانت مرافق تعليمية، أو كوادر بشرية، أو حتى خدمات النقل والسكن الجامعي، لأن فترات الذروة والانخفاض تصبح أكثر قابلية للتنبؤ والإدارة.
يبقى السؤال: لماذا ينجح هذا النموذج في دول الخليج العربي ويصعب تطبيقه في الأردن؟ يعود جزء كبير من الجواب إلى طبيعة صنع القرار التعليمي وآلياته المؤسسية. ففي العديد من دول الخليج، يتم التعامل مع التعليم بوصفه ملفاً إستراتيجياً موحداً ومتكاملاً، يخضع لتخطيط مركزي طويل المدى، وتُبنى القرارات فيه على دراسات استشرافية، ومؤشرات أداء واضحة، وتقدير منهجي للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لأي تغيير في السياسات التعليمية. كما أن هذه الدول تمتلك مرونة مالية وبنيوية أكبر تتيح لها تحديث البنية التحتية بسرعة، وتكييف الأنظمة الإدارية والتشريعية بسلاسة، وتوفير بدائل انتقالية عند الحاجة دون أن يؤدي ذلك إلى ارتباك واسع في المجتمع التعليمي. في الأردن، على العكس، غالباً ما تُتخذ القرارات المتعلقة بالتقويم المدرسي والجامعي بشكل متجزئ بين جهات متعددة، وتحت ضغوط آنية مرتبطة باعتبارات قصيرة المدى، دون وجود إطار وطني موحد ينسق بين الأطراف المختلفة، أو يوازن بين الاحتياجات التربوية والاجتماعية والاقتصادية ضمن رؤية طويلة الأمد، ما يجعل أي محاولة للتوحيد أكثر تعقيداً وأقل استدامة.
ومع ذلك، فإن الدعوة إلى توحيد التقويمين لا تعني تجاهل التحديات الواقعية التي قد ترافق هذا التوجه. فهناك اختلافات حقيقية في طبيعة التعليم المدرسي والجامعي، وفي احتياجات الطلبة، وفي متطلبات الاعتماد الأكاديمي، وفي مواسم التدريب العملي لبعض التخصصات. غير أن هذه الاختلافات لا تبرر الفوضى الزمنية الحالية، بل تستدعي حلاً مرناً ذكياً يقوم على مبدأ التناغم لا التطابق الحرفي، أي بناء تقويم وطني موحد في خطوطه الكبرى، مع السماح بهوامش مرنة محدودة حسب خصوصية كل مرحلة أو تخصص.
إن استمرار عدم الاستقرار في التقويمين ليس مجرد إزعاج إداري، بل هو عامل استنزاف اجتماعي ونفسي واقتصادي صامت، يدفع ثمنه الطلبة والأسر والمعلمون على حد سواء، دون أن يُقاس هذا الثمن أو يُلتفت إليه بجدية في صناعة القرار. فهو يبدد وقت الأفراد، ويضعف قدرتهم على التخطيط طويل المدى، ويخلق حالة دائمة من الارتباك وعدم اليقين، تنعكس سلباً على جودة التعلم، وعلى الصحة النفسية للطلبة، وعلى تماسك الحياة الأسرية. وفي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن اليوم، من بطالة وضغوط معيشية وتراجع في الموارد، لم يعد مقبولاً التعامل مع التقويم التعليمي كملف ثانوي أو تفصيلي، بل يجب النظر إليه كأداة تنظيم وطنية تمس صميم الحياة اليومية للمواطنين، وتؤثر في كفاءة المؤسسات، وفي ثقة المجتمع بالنظام التعليمي ككل. إن توحيد التقويم المدرسي والجامعي، أو على الأقل تنسيقهما ضمن رؤية وطنية واضحة، ليس رفاهية تنظيمية ولا ترفاً إدارياً، بل خطوة إصلاحية ضرورية نحو نظام تعليمي أكثر اتساقاً وعدالة وكفاءة، ونحو مجتمع أكثر قدرة على تنظيم حياته، واستثمار وقته، والتخطيط لمستقبله بثقة واستقرار.