عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Apr-2025

عندما تروح السكرة وتأتي الفكرة*حسني عايش

 الغد

أي عندما نستيقظ من سكرة الإعجاب ببطولة المقاومة في غزة وإفشالها لإسرائيل في تحقيق أهدافها على الرغم من الإبادة الجماعية والتدمير الشامل للقطاع وبالمعنى الحرفي، فإننا سنجد أن وضع غزة كارثي وعلى نحو لم يشهد التاريخ المعاصر له مثيلا حتى في فيتنام. 
 
 
سيظل الناس في القطاع بهذه الحالة المأساوية إلى أجل غير مسمى، وحتى في أثناء الإعمار الذي لن يسمح ترامب وإسرائيل به. لن تجرؤ دولة عربية أو شرقية أو غربية على المبادرة لبدء الإعمار أو مواصلته. كما قد لا يستمر العالم بتوريد ستمائة شاحنة يومياً محملة بما يحتاج إليه الناس للبقاء، إلى أجل غير مسمى. وحتى لو حاول أحد أو اثنان ذلك فإنه سيجد القطاع مغلقاً براً وبحراً وجواً بالحصار الإسرائيلي المحكم له. ها هي الأمم المتحدة وكثير من الدول في العالم عاجزة عن إجبار إسرائيل على بقاء وكالة الأمم المتحدة/ الأونروا تعمل في فلسطين. 
 
في أثناء هذا وذاك ستكرر إسرائيل في الضفة ما صنعته في غزة من إبادة جماعية وتدمير وستظل حماس والجهاد تكابران وتحثان خلاياهما فيها على مقاومة العدو الإسرائيلي وإن لم يكن هناك جدوى، ولكنها مقاومة تعطي إسرائيل العذر المطلوب قدام أميركا وأوروبا الصهيونتين للإبادة والتدمير بحجة القضاء التام على الإرهاب. وذلك سهل على إسرائيل لعدم التكافؤ في القوة بين إسرائيل والمقاومة في الضفة. 
يقول المثل العربي: « إذا سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده.» ويقول أيضاً: «من يفكر بالعواقب ينجو من النوائب». 
واخشى أنه بمرور الوقت سيتلاشى الإعجاب ببطولة المقاومة الخارقة والصمود الأسطوري في غزة لأن البشر سرعان ما ينسون ويتعودون على الوضع القائم أيا كان شكله ومحتواه، وستحل صورة الوضع المأساوي للناس هناك محل البطولة الأسطورة، فالعيان أقوى من البيان. وسيتحول الإعجاب بالبطولة والصمود إلى اتهام لحماس والجهاد بتصفية قطاع غزة، إن لم يكن بتصفية القضية الفلسطينية،   واندلاع السب والشتم لهما على ما تسببا فيه من إبادة ودمار. 
لو طرحنا هذا السؤال بأثر رجعي ورجونا القارئ أن يصدق معه وقلنا : أي وضع فلسطيني كان أفضل قبل حرب غزة وما قبلها من مقاومة : هل هو وضع الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني أم وضعهم في غزة ، أم وضعهم في الضفة؟ السؤال يعني أن القيادات الفلسطينية والقيادات العربية التي كانت تصوغها وتتدخل في شؤونها لم تهتد إلى الطريق الصحيح في التعامل مع الحركة الصهيونية. لم تكن تفهمها ولا مقدرة لقوتها ولا لنفوذها في الغرب وبخاصة بعد الهولوكوست واللاسامية. كانت هذه القيادات ترى اليهود عندما كانوا في أضعف حالاتهم، كانوا يقولون لنا ونحن في المدرسة في الثلاثينيات والأربعينيات: إن اليهودي يهرب عندما يرى العربي مقبلاً، وأن اليهود أولاد الميتة. فانظر كيف اكتشفنا أن الأمر بالعكس.
لو كانت تلك القيادات على علم ودراية وكياسة وبخاصة بعد هزيمتها المنكرة في حرب 1948 – 1949 لتبنت المقاومة السلمية والديموغرافية فهما الحل الأفضل والأقل كلفة وإن كانا طويل المدى من الحل بالعنف الأقصر ولكن غير الأسلم.
لقد أدت المقاومة بالعنف بدءا من العمل الفدائي الأجدب مروراً بالانتفاضة الباسلة 1987، التي سرعان ما تحولت إلى عنف على يد قيادة فتح في تونس، وتفجيرات حماس والجهاد في اليهود المصادفين في فلسطين، إلى انتباه اسرائيل الفوري إلى الخطر الديموغرافي الوجودي عليها. وكان أول قرار اتخذته ايقاف ما يسمى «بلم الشمل» للعائلات الفلسطينية المنفصلة مكانياً الذي كان يجري بسهولة ويسر. ومع أنه كان يغذي الخطر الديموغرافي ويسرع فيه إلا أن إسرائيل لم تكن آنذاك تعمل به. كما كان كل فلسطيني في الضفة والقطاع قبل تلك التفجيرات يتحرك في كل فلسطين بأمان، ويتزوج من فلسطينية أو يهودية في الداخل ويحصل على الإقامة هناك لدرجة أنني كتبت في حينه مقالاً: بالحب لا بالحرب، لم تسمح الجريدة بنشره، داعياً فيه الشباب الفلسطيني إلى التزاوج الكثيف من الفتيات اليهوديات. ثم انقلب السحر على الساحر بأوسلو بقيام حماس بالتفجير قبيل كل مرحلة جديدة فيها إلى أن عطلتها. ثم حصلت الذروة في الانهيار الفلسطيني بانقلاب حماس على السلطة في قطاع غزة وطردها من هناك واستئثارها بحكم القطاع من الداخل.
إنني أرى الآن كثيرين يتململون مما جاء في هذا المقال. ولو كنت قريباً منهم لاعتدوا علي بحجة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة كما قال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، وقد رأينا ما فعلته هذه القوة سنة 1967.
ربما لو اعتمد منهج المقاومة السليمة على طول لما كان هناك ايلول، ولا طرد أحد من الكويت، ولا من لبنان، ولا حصلت إبادة لاحقة وتدمير شامل في غزة والضفة، ولا لاقى آلاف الأفراد والأسر الفلسطينية في الشتات وبخاصة العربي فيه من صعوبات لا تنتهي في السفر والإقامة والتعلم والعمل. 
لقد كنت طيلة الوقت أدعو إلى المقاومة السلمية ولأنني غير مهم، فلم يستمع لي أحد. كنت طيلة الوقت ضد التفجيرات الاستشهادية، ومع هذا انقلبت على موقفي هذا لا تأييدا لطوفان الأقصى، ولكن للرد الهمجي الوحشي الإسرائيلي عليه بالإبادة الجماعية العمياء والتدمير الشامل للقطاع: بشرا وشجرا وحجرا لدرجة جعلت الحياة مستحيلة فيه. لو تمت لفلفة الموضوع كما كان في كل مرة لبقيت على موقفي السابق، فحذار من التسرع بالاتهام فنحن جميعا نتفق في الهدف وهو استعادة فلسطين، ولكننا نختلف في الأسلوب أو الطريق.