عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Mar-2023

العقلية الصهيونية..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

لعل من غرائب ما يزيد على القرن منذ نشأة الصهيونية، أن هناك مَن يعاود التأويل والتقدير في قراءة هذه الفكرة وتجلياتها. ومع كل الأدبيات التي قامت عليها وأنتجتها، وطريقة تحققها في العالم، ما يزال البعض يتصورون وجود طرق للتعامل معها من موقع التفهم والتفاهم والتعايش. وفي الحقيقة، لم تتكلف الصهيونية عناء إخفاء طبيعتها العنصرية القائمة على فكرة «التفوق اليهودي»، و»شعب الله المختار»، ومشروعها الاستعماري الاستيطاني الإحلالي بطبيعته وغاياته وأساليبه الحتمية. لا يمكن أن يكون مشروعا استعماريا استيطانيا أخلاقيا أو سلميا، لأن شرطه هو إقصاء شعب آخر وإخراجه من التاريخ، فيزيائيا ومعنويا. فكيف يجوز التعامل مع مشروع هذه شروط وجوده؟
لا يخجل الصهاينة من طرح خطابهم المتناقض منطقيا وتاريخيا لأنهم هيأوا الأسس لفرضه بالقوة. وقبل ذلك، وطنوا أنفسهم على أن نجاح المشروع مرهون بالإيمان المطلق به، لإنك إن لم تصدق كذبتك وتحررها من أي شكوك، فإنه لن يصدقها الآخرون. وإذا خالطت إيمانك في مشروعك أي شكوك أخلاقية فسوف تضعف همتك وتتردد. ولذلك، يؤمن الصهاينة بأن قتل الفلسطينيين وطردهم وإذلالهم هو قمة الأخلاق والدين والوطنية. ويؤمنون بأن الاستيلاء على أرضهم هي استعادة لأرض اليهود الموعودة التي استعمرها الفلسطينيون. وهم يؤمنون بأن اليهود هم أول بشر استوطنوا فلسطين، بحيث أنهم هم أصحابها التاريخيون. بل ويؤمنون بأن «أرض إسرائيل» أكبر من فلسطين بحدودها السياسية، وكما استخدموا طريقة الاستيلاء التدريجي على فلسطين بحيث يجب كل توسع ما قبله، فلن يكون غريبًا أن يجاهروا علنًا بمطالباتهم اللاهوتية بـ»أرضهم» المتصورة، كما فعل وزيرهم سموتريتش هذه الأيام.
من الغريب استنكار تصريحات سموتريتش هذا وكأنه يأتي بشيء جديد أو أنه يمثل نفسه. إنه في النهاية شخص ينتمي إلى الائتلاف الحاكم في الكيان، الذي يمثل وجه هذا المجتمع وفكره وخطابه وغاياته. وبغض النظر عن خداع الذات المستشري لدى تصور أن مجتمع العدو الاستيطاني الاستعماري غير متجانس، فإن حاصل تفاعلات هذا المجتمع منذ نشأته هو الكارثة التي يشكلها، وهو العدواني، المعادي للسلام والحياة، والذي لا يحفظ إلا ولا ذمة ولا تقيده أي مواثيق أو عهود. لن ينسجم الالتزام بالمواثيق مع عقلية تعتقد أن النكث بالعهود أخلاقي ومشروع وواجب إذا كان يخدم غرض مصلحة الوجود الصهيوني بأفضل شروط ممكنة على الأرض المستعمرَة.
لم تأتِ فكرة إنكار الوجود الفلسطيني من سموترتيش، وإنما كان أول من أعلنها هو رئيسة وزراء الكيان، غولدا مئير، في وقت مبكر نسبيًا هو العام 1969. قالت في مقابلة: «نعم، لم يكن هنا شيء اسمه فلسطينيون… لم يكن الأمر كما لو أن هناك شعبًا فلسطينيًا في فلسطين يعتبر نفسه شعبًا فلسطينيًا وجئنا وطردناه وأخذنا بلده منه». وقد بررت الزعيمة الصهيونية قولها بأن فلسطين لم تكن هوية سياسية «دولة» وإنما جزء من سورية، وكأن ذلك يعني أن طرد الناس الذين يسكنون تاريخيا في المنطقة لا يعود طرداً ولا استيلاء على اعتبار أن وجودهم الفيزيائي لا معنى له إذا لم يكن لهم وجود سياسي. من أين الوجود السياسي لليهود في فلسطين في العام 1948؟ لا يهم، اليهود موجودون والفلسطينيون ليس لهم وجود –لأن اليهود أفضل تسليحاً وتدعمهم قوى الاستعمار القديم.
ونتياهو أيضًا، زعيم الكيان المقيم، قال إن العرب هم المستعمرون الذين طردوا اليهود، وأن اليهود «يحررون» وطنهم. والفكرة أن هذا الخطاب هو الذي يعبر عن الحقيقة غير الخافية لهؤلاء الناس. كيف تتعامل مع هكذا عقلية؟ كيف يمكن أن تجلس مع هؤلاء وتتحاور وتتوقع منهم مرونة أو التزاماً أو إمكانية أن تدير لهم ظهرك؟ بالنسبة للفلسطينيين، كانت تجربة «أوسلو» واضحة ومفصلية، حيث لم يلتزم العدو بأي تفصيل ورد في الاتفاقيات، ولم يحقق الفلسطينيون أي شيء سوى المزيد من العدوانية والاستيلاء وإحباط الأحلام وإجهاض أي مكتسبات سابقة تحققت بكلفة الدم. ومع ذلك، ثمة الذين يدعون إلى الاتفاقيات والمفاوضات ويتصورون أن مجتمع سموتريتش ونتنياهو، الذي يستكمل بكل إخلاص تصور غولدا مائير ومن قبلها، سيعطيهم أي شيء ويمكن إقناعه بالمنطق أو الاستجداء أو توقع المثاليات.
العقلية الصهيونية أوضح شيء في العالم، ولا تحتاج إلى تخمين ولا تحتمل التوقعات. ولا يمكن التعامل معها سوى باعتبارها نقيضاً أخلاقيا وفكريا ووجوديا، والتفكير فقط في خوض الصراع معها على هذا الأساس. وخلاف ذلك تضييع للوقت، وليس بلا ثمن.