"المسجد الإبراهيمي" لسارة الشماس يستعرض تاريخ الخليل والأبعاد الدينية والمعمارية
الغد-عزيزة علي
يسلط كتاب "المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد"، للكاتبة والباحثة الدكتورة سارة الشماس، الضوء، على الأبعاد التاريخية والدينية والمعمارية للمسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، موثقا الانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها الموقع من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات طمس هويته الإسلامية.
ويقدم الكتاب الذي وقعته المؤلفة، أول من أمس، في المكتبة الوطنية، وسط حضور أكاديميين ومثقفين ومهتمين بالشأن الفلسطيني والتراث العربي الإسلامي، قراءة معمقة في واقع التهويد، بوصفه من أشكال الاحتلال الثقافي، إلى جانب الاحتلال الجغرافي.
وفي كلمته، قال راعي الحفل الدكتور صلاح جرار "إن الكتاب يشكل مستودعا للحقائق، وجسرا يعزز الهوية الفلسطينية، وقيمة نضالية باعتباره من أشكال المقاومة الثقافية". وأكد أهمية التوثيق بالكلمة والصورة لحفظ التراث الوطني وإبراز الهوية، مضيفا أن فلسطين ستبقى عربية إسلامية، وأن المسجد الإبراهيمي سيظل مسجدا للمسلمين، وأن التغييرات الشكلية التي طرأت على معالمه لن تمس حقيقته الراسخة.
وهنأ عالم الآثار واللغات الشرقية الدكتور معاوية إبراهيم المؤلفة على إنجازها، مشيدا بكتابها "المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد"، الذي يكتسب أهمية خاصة في ظل الاحتلال الصهيوني وانتهاكاته اليومية للمسجد ومدينة الخليل بكل أحيائها ومعالمها التراثية. وأضاف أن ما يمارسه الاحتلال من انتهاكات لا إنسانية يترك أثرا سلبيا عميقا على حياة المواطنين واقتصادهم اليومي.
وتناول إبراهيم أبرز مضامين الكتاب، مشيرا إلى أنه يستعرض الموقع الجغرافي لمدينة الخليل، وموجزا عن تاريخها، وديموغرافيتها، والبلدة القديمة، والامتداد العمراني، والأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستيطان الصهيوني وضم الأراضي.
وخلص إبراهيم إلى أن هذا العمل يعد جهدا توثيقيا مهما، خاصة في مجال التراث، ويشكل أحد أشكال المقاومة في وجه احتلال يسعى إلى سرقة الأرض والهوية.
وفي حديثها، قالت المؤلفة الدكتورة سارة الشماس، إن كتابها يوثق الانتهاكات الممنهجة التي يتعرض لها المسجد الإبراهيمي، من استهداف لبنيانه وقدسيته وهويته. وقالت: "سعيت من خلال هذا العمل إلى رصد الحقائق وكشف ممارسات الاحتلال التي تهدف إلى طمس المعالم الإسلامية، وفرض واقع قسري على هذا الموقع الديني والتاريخي العريق، دفاعا عن الحقيقة، وصونا للهوية، وحماية للتراث".
وبينت الشماس أن موعد حفل التوقيع تأخر بسبب العدوان الغاشم على غزة، مشيرة إلى أن آثار هذا العدوان ما تزال تضرب قلب فلسطين حتى اليوم. وأكدت أن الكتاب ليس مجرد عمل بحثي، بل هو امتداد لصوت الحق، ومساهمة متواضعة في معركة الدفاع عن المسجد الإبراهيمي وسائر المقدسات.
وشددت على أن العمل لا يقتصر على توثيق التاريخ، بل هو موقف صريح، يعكس مسؤولية علمية ووطنية تثبت أن حماية التراث لا تتم إلا بالوعي والكلمة الصادقة. وقالت: "لقد ظل المسجد الإبراهيمي على مر العصور رمزا للوحدة والصمود، وهويتنا العربية الإسلامية التي لا تمحوها محاولات التزييف ولا اعتداءات الاحتلال".
كما أشارت إلى أن غلاف الكتاب، من تصميم الفنان العالمي الدكتور جمال بدوان، لم يكن مجرد عمل فني، بل رسالة بصرية خالدة، تجسد دور الفن حين يرتبط بالقضية.
وأهدت الشماس هذا العمل إلى والديها العزيزين، وزوجها السند، وأولادها سلمى وسامي وسيما، ووصفتهم بأنهم نور الطريق ورفاق الدرب، وإلى كل محب لفلسطين، وكل قلم حر حمل مسؤولية الدفاع عن المقدسات والتاريخ والهوية.
وأضافت أن الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين كانت وما تزال عهدا شريفا ومسؤولية متواصلة، منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول، مرورا بالملك الحسين بن طلال، الذي قال: "إن مسؤوليتنا نحو القدس والخليل والقضية الفلسطينية مسؤولية عميقة الجذور، مستمرة لا يقطعها قرار سياسي ولا غيره".
واليوم، يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، حمل هذه الأمانة، مؤكدا في كل محفل أن القدس والمسجد الإبراهيمي في قلب وجدان الأمة، وأن لا أمن ولا استقرار من دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأشار نائب رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الدكتور رياض ياسين إلى أن الكتاب يتناول مدينة الخليل، قلب الجنوب الفلسطيني، حيث يرقد التاريخ في حجارة الحرم الإبراهيمي، ويعانق المكان الزمان في قدسية ترويها الديانات السماوية الثلاث.
وأكد ياسين أن الباحثة سلطت الضوء على المكانة الدينية الفريدة للمسجد الإبراهيمي، وتاريخه العريق، كما وثقت الانتهاكات التي تعرض لها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 وحتى اليوم.
وخلص ياسين إلى أن الكتاب لا يعد عملا توثيقيا فحسب، بل شهادة حية تجسد الصمود الثقافي الفلسطيني، وتدافع عن هوية المكان وكرامته في وجه محاولات الطمس والتزوير، كاشفا في الوقت ذاته عن جماليات الطراز المعماري للمسجد، وقيمته التراثية التي تمثل إرثا إنسانيا لا يقدر بثمن.