عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Dec-2025

الأردن بين التحليل والتهويل: قراءة نقدية في محاضرة الدكتور وليد عبد الحي*سائد كراجة

 الغد

قدّم الدكتور وليد عبد الحيّ في محاضرته «الأردن ومعادلة الحياد المستحيل» ثلاث خلاصات مركزية هي: أن الأردن يقف عند ما يسميه «الخندق الهاشمي الأخير»، وأن جزءًا من تحدياته يأتي من حلفائه لا من خصومه، وأن انفصامًا قائمًا يفصل الدولة عن الشعب في تقييم تحالفات الأردن الخارجية. وعلى الرغم من اعتماده على أدوات علم دراسات المستقبل، إلا أنّ قراءته اتخذت منحى خطّيًا (Linear Determinism) ربط فيه تطور التجربة الهاشمية بمسار جبري واحد، على حساب تعددية السيناريوهات التي يقوم عليها علم المستقبليات.
 
 
تستند فرضية «الخندق الأخير» إلى استدعاء سردية تاريخية تمتد من الحجاز مرورًا بدمشق وصولًا إلى بغداد، وافتراض أن هذا التسلسل يقود حتمًا إلى «المنعطف الأردني».
 ورغم صحة الإشارات إلى الضغوط المتفاقمة، مثل تصاعد قوة اليمين الإسرائيلي وتراجع فاعلية وتأثير النظام العربي، فإن تحويل هذا المسار إلى قدر محتوم يتجاوز تاريخ الأردن الفعلي وقدرته على تجاوز أزمات عميقة، من الخمسينيات إلى أيلول 1970 وحرب الخليج والربيع العربي. ولذلك تبقى هذه الفرضية قراءة مسبقة أكثر منها حتمية منطقية، وفقًا لأدوات المستقبل التي تفترض تعدد المسارات وإمكانية الانعطاف المفاجئ في اللحظات الحرجة.
أما مقولة أن «مشكلات الأردن تأتي من حلفائه» فتستند على ما شهده الأردن من تبعات ناتجة عن تجربتي العراق وسوريا، وما حملتاه من أعباء على المملكة.
 ورغم أن هذا الطرح يسلط الضوء على تأثير التحولات الإقليمية، فإن تعميم هكذا استنتاج انطلاقًا من تجربتين محددتين لإصدار حكم شامل على التحالف الأردني–الأميركي يتطلب قدرًا أكبر من الحذر المنهجي.
 فهذه العلاقة استمرت لعقود طويلة بفضل اعتبارات معقدة وأدوار وظيفية في لحظات تاريخية مفصلية. علاوة على ذلك، فإن الأزمات الإقليمية ذات طبيعة بنيوية تتجاوز إطار العلاقات الثنائية، مما يستدعي تقييمًا واقعيًا للتحالف بعيدًا عن صيغة الأحكام المطلقة.
وفي توصيف «الانفصام» بين الدولة والمجتمع، يستند المحاضر إلى التناقض الواضح بين التوجه الشعبي الذي يستمد رؤيته وقناعاته من الرمزية العميقة لفلسطين والقدس، وموقف رسمي تحكمه موازين القوى.
 لكن تحويل هذا التباين إلى شرخ بنيوي نهائي لا يعكس دينامية دول مثل الأردن؛ فالفجوات السياسية تتغير عادة عند اشتداد الضغوط وارتفاع التهديدات، مما يجعلها أقرب إلى اختلاف في الأدوار والسياقات، لا إلى انفصال مستدام.
ومن خارج نطاق المحاضرة، تبرز «القضية الأردنية» كإطار تحليلي لفهم التحولات العميقة التي يمر بها الأردن اليوم. فمع صعود الصهيونية الدينية، واتساع مشاريع الضم، وتغيّر طبيعة الدور الأميركي، إضافة إلى دخول دول عربية في تطبيع يتجاوز الحقوق الفلسطينية، كلها عوامل أعادت تشكيل إدراك جماعي بخطر وجودي يمسّ كيان الدولة وحدودها وهويتها السياسية. وهذا الوعي ليس انعزاليًا ولا نكوصًا عن فلسطين؛ بل يقوم على علاقة انفصال واتصال: انفصال باعتباره وعيًا ذاتيًا بخطر يهدد الدولة، واتصال لأن حماية الحقوق الفلسطينية جزء بنيوي من أمن الأردن واستقراره.
وهنا تتشكل فرصة تاريخية فريدة: إذ يوفّر هذا الاصطفاف الشعبي حول فكرة حماية الدولة بيئة ملائمة لتسريع الإصلاح الاقتصادي والسياسي؛ من تحسين الإدارة العامة، إلى كسر الاحتكارات، وتعزيز سيادة القانون، وتوسيع الشراكات شرقًا وغربًا.
 وعلى المستوى السياسي، يسمح هذا الوعي بإحياء مسارات التحديث بطريقة تدريجية واقعية، توازن بين الحاجة إلى المشاركة العامة ومتطلبات الاستقرار.
لذلك، لا يمكن اعتبار المرحلة الحالية نهاية لمسار سابق أو بداية لمسار جديد تمامًا، بل هي نقطة تحول مفتوحة تتشكل نتائجها بناءً على قدرة الدولة والمجتمع على استثمار التحديات وتحويلها إلى فرص واعدة.
وإن غدًا لصانعه قريب جنابك.