عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2025

الحمد لله*إسماعيل الشريف

 الدستور

«عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له.»   حديث شريف
هل رأى أحد أو قرأ عن عظمة أهلنا في غزة؟ لقد تعرضوا لأكبر إبادة جماعية في العصر الحديث، وألقيت عليهم قنابل تفوق في قوتها القنابل النووية التي دمرت هيروشيما. ويقال إن إجمالي وزن القنابل التي أُلقيت على غزة يعادل حجم هرم خوفو، أكبر أهرامات العالم، بارتفاع يقارب 140 مترًا وقاعدة تمتد لنحو 230 مترًا في كل اتجاه.
شاهدنا قصصًا مزقت قلوبنا؛ أطفالًا يُستشهدون تحت القنابل، وبسبب الجوع ، وعمليات تُجرى دون تخدير، وعائلات تُمحى بالكامل من السجل المدني، وأخرى تظل عالقة تحت الركام، ومدارس تُستهدف رغم أنها تأوي أطفالًا لا ذنب لهم.
ومع ذلك، قدّم أهلنا دروسًا لا تنتهي للعالم في معنى الصمود؛ فمع كل مجزرة يخرجون منها أكثر قوة، مكبّرين مهلّلين، بينما من امتلك السلاحَ الأشدَّ فتكًا، واستند إلى دعم العالم، لم يحصد سوى القرف والاشمئزاز والأمراض النفسية.
ولكن كيف تحمل أهل غزة كل هذا؟
في علم النفس، هناك نظرية تُعرف بـ»نظرية المرونة النفسية»، التي تندرج ضمن مجال «علم النفس الإيجابي». تُستخدم هذه النظرية في مناطق الصراع لمساعدة الضحايا على الصمود، والتكيف مع الشدائد، ثم التعافي منها.
وتعتمد هذه النظرية على مجموعة من الأسس، منها: حماية البنية التحتية، وتعزيز الأمن السيبراني، والاستعداد للطوارئ والاستجابة لها، والتكيف مع تغير المناخ، ودعم المرونة الاجتماعية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز التعاون الدولي.
لكن هذه الأسس، في معظمها، غائبة عن قطاع غزة، ورغم ذلك، صمد الغزيون!
وتشير النظرية إلى وجود عوامل أساسية يجب أن تتوفر في الأفراد والمجتمع ليتمكنوا من الصمود، مثل الامتنان، واللطف، والأمل، والشجاعة. وهذه العوامل متجذرة بقوة في أهل غزة.
السبب في ذلك يعود إلى التربية الدينية والثقافة السائدة، حيث تُعد عبارة «الحمد لله» متجذرة في الوعي الفلسطيني. ترى الغزي يخرج من بين الأنقاض، رافعًا إشارة النصر، مرددًا «الحمد لله»، والأم التي تفقد فلذة كبدها تتمالك نفسها وتقول «الحمد لله». ففي الثقافة الإسلامية، كل ما يأتي من الله نحمده عليه، في السراء والضراء.
وهذا الامتنان لله سبحانه وتعالى يمنحهم القدرة على الاستمتاع بمباهج الحياة البسيطة، فالله حاضر بقوة في آلامهم وأفراحهم. كما أنهم يفخرون بشهدائهم الذين يشكلون جزءًا من هويتهم، إذ يبقى الماضي حيًّا في وجدانهم.
ثم هناك الدعم المجتمعي، حيث تتكاتف الأسر وتساند بعضها بعضًا، وتتشارك في كل شيء. يجتمع الجيران لتقاسم الموارد المتاحة، وتقديم الدعم المادي والنفسي، مما يعزز صمودهم في وجه المحن.
أما على مستوى الإبداع والتكيف مع الواقع القاسي، فقد أبدع الفلسطينيون في مواجهة ظروفهم، فحوّلوا الذخائر الصهيونية إلى أسلحة يقاومون بها المحتل، والعربات العادية إلى سيارات إسعاف، بل حتى أقمشة الخيام إلى ملابس تقيهم البرد.
وبرأيي، تُثبت حرب غزة أمرًا في غاية الأهمية: أن البناء الديني السليم، بما يشمله من حسٍّ دينيٍّ عالٍ ومستوى تعليميٍّ متميّز، هو أحد أعمدة الصمود. فهذا يبرهن على أن التعليم، ببعديه الروحي والدنيوي، يُعدّ من أهم العوامل التي تعزّز قدرة الشعب على التكيّف والثبات. لقد شكّل التعليم، بأبعاده الدينيّة والعلميّة والثقافيّة، منظومة دفاعٍ أساسيّة مكّنت أهل غزة من الصمود في وجه الإبادة التي يواجهونها.