الغد
كريس بلاكهيرست* - (الإندبندنت) 2025/4/22
تظهر المواجهة التجارية بين ترامب والصين أن الولايات المتحدة، رغم خطابها التصعيدي، بدأت تتراجع بهدوء، بينما تواصل بكين استراتيجيتها المتمثلة في الصبر والانتظار، مما يرجح أن الطرفين سيسعيان في النهاية إلى تسوية تحفظ ماء الوجه، في ظل الترابط الاقتصادي العميق بينهما.
***
من المنطقي أن يتوقع المرء أن دونالد ترامب، إذ يوزع وقته بين مشاهدة بطولة الماسترز الأميركية للغولف ولعب الغولف بنفسه والتجول بين الطاولات في مارالاغو وتوجيه التحية إلى ضيوفه على العشاء، لا يجد سوى القليل من الوقت لدرس مؤلفات برتراند راسل.
هذا مؤسف، لأنه قد يستفيد هو والولايات المتحدة من استيعاب كتاب الفيلسوف البريطاني "مشكلة الصين" المنشور في العام 1922، حتى لو اقتصر الأمر على المقطع التالي وحده: "الأمة الصينية هي الأمة الأكثر صبراً في العالم. إنها تخطط لقرون من الزمن في حين تخطط الأمم الأخرى لعقود. إنها في الأساس أمة غير قابلة للتدمير وتستطيع تحمل تداعيات الانتظار".
وثمة عبارة قصيرة أخرى بلغة الماندرين قد تجذب انتباه دونالد ترامب؛ "تشي كو"، التي تترجم حرفياً إلى "تناول المرارة"، بمعنى المعاناة من دون شكوى.
تجسد العبارات من هذا النوع الثقافة الصينية ونهجها في الحياة، كما لاحظ راسل. وهي ما يقف اليوم خلف استراتيجية بكين في التعامل مع التصعيد الكبير الذي أقدم عليه ترامب في المنافسة الاقتصادية مع الدولة الأكثر سكاناً في العالم.
وقد تراجع الرئيس الأميركي بالفعل -أو بالأحرى بدا وكأنه يتراجع. يوم الجمعة الماضي، ردت الصين على رسوم ترامب الجمركية برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية من 84 إلى 125 في المائة. وفي عطلة نهاية الأسبوع، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة استبعدت الهواتف الذكية والكمبيوترات والإلكترونيات الاستهلاكية الأخرى من الزيادة الأميركية. وبدا ذلك تراجعاً.
نفى وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك أن يكون الاستبعاد تراجعاً. وقال إن هذه المنتجات ستشملها قريباً رسوم منفصلة عن تلك المفروضة على بلدان معينة. ثم صعد ترامب الموقف، زاعماً في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم وجود استثناء لتلك المنتجات. واستخدم الأحرف الكبيرة مجدداً للتوكيد. وقال "نحن ننظر في أمر أشباه الموصلات و’سلسلة الإمداد الخاصة بالإلكترونيات بأكملها‘ في التحقيقات المقبلة بشأن الرسوم الجمركية المعنية بالأمن القومي". ومع ذلك، بدا الإعفاء الآن بمثابة تراجع.
كالمعتاد، لم يقل الرئيس شي جينبينغ شيئاً. ويمكننا أن نتوقع تكراراً لما جرى خلال الأيام والأسابيع المقبلة، عرض العضلات والصراخ من جانب في مقابل صمود هادئ من الجانب الآخر.
وهذا لا يعني أن الصين لا تترنح. تفيد حسابات ترامب ودائرته بأن الصين في حاجة إلى الولايات المتحدة. ومن دون هذا الخلل التجاري الضخم، الذي يشير ترامب إليه باستمرار، لا تملك الصين سوقاً مكافئة للسوق الأميركية لصادراتها، وفق الحسابات. ويعتقد ترامب ودائرته أن شي وزملاءه يعتمدون على الولايات المتحدة في ازدهار البلاد المتزايد، وفي إطعام سكان البلاد، وفي الوقت نفسه في تعزيز ثروة الطبقة الوسطى المتنامية.
عندما يتعلق الأمر بالتجارة، ليست الخصومة بين الولايات المتحدة والصين جديدة. في الواقع، حاول ترامب معالجة التفاوت بين البلدين خلال ولايته الأولى. وردت الصين بـ"الدورة المزدوجة" أو "نمط التنمية الجديد"، اللذين عنيا زيادة الاستهلاك المحلي والاعتماد على الذات مع الاستمرار في تعزيز التجارة الخارجية.
ويواجه ترامب مشكلة ثانية، لكنه يتعامل معها بطريقة أقل تركيزاً محاولاً تحقيق ثلاثة أهداف بضربة واحدة؛ زيادة الإيرادات الفيدرالية، ومعاقبة بلدان مثل كندا والمكسيك لأسباب غير مالية مثل الإمداد بالمخدرات، واستعادة ميزان تجاري أكثر توازناً. وتنخرط في ذلك الجهد ثلاث مجموعات من المستشارين، ويثير ذلك الجهد إرباكاً.
تحاول الإدارة مزج الاقتصاد بالسياسة، وعندما يتعلق الأمر بالرسوم الجمركية لا يمتزج الاثنان. ويتعلم الاقتصاديون دائماً أن الرسوم الجمركية فكرة سيئة، وأنها لا ينبغي أن تفرض ولا ينبغي أن تواجه برد. لكن ترامب يعتقد أنه يحظى بالدعم السياسي في بلاده وأن معظم الأميركيين سيدعمونه.
وقد أشار ترامب تكراراً إلى أن الرسوم الجمركية آتية. وتمكن الصينيون منذئذ من الاستعداد. والآن يطلق الطلقة الأولى، ويمكن للصينيين التفرج على أميركا وهي تحاول نصب صاروخ واحد لضرب ثلاثة أهداف.
بينما يركز ترامب على الفائض التجاري الصيني، تستطيع الصين أن تبقى متماسكة وواثقة في ضوء معرفتها أنها تمتلك ورقة ضغط رئيسة تتمثل في حيازتها جزءاً كبيراً من ديون الحكومة الأميركية، على النقيض من المملكة المتحدة التي لعبت خلال وقت مبكر ورقتها الوحيدة على الأرجح حين دعت ترامب إلى القيام بزيارة دولة ثانية إليها.
قد لا تتخلى الصين عن الدولار الأميركي بصورة مباشرة، لكنها قد تعبر عن عنادها بطرق أخرى، من خلال إبطاء وتيرة استثماراتها في الولايات المتحدة، وتقليل رأس المال وإعادة توجيهه إلى أماكن أخرى. وفي يد الصين أيضاً ورقة أمان تتلخص في أن هيمنتها العالمية في التصنيع تضاهي هيمنة أميركا في الخدمات المالية والذكاء الاصطناعي. ويمكنها أيضاً أن تستغل التشرذم الذي تفاقم بسبب الإجراءات الأميركية المشتتة. وبالفعل، تظهر أوروبا علامات على الاستعداد للتقارب مع بكين.
سوف تعاني القوتان العظميان كلتاهما. فهما تعتمدان على بعضهما بعضاً بصورة أكبر من أن تتيح لهما تجنب المعاناة. ولكن قد يكون من الخطأ تفسير الكلام الأميركي الطنان على أنه نصر محتمل. وسيتعين على الطرفين العثور على ترتيبات مناسبة. والأهم من ذلك، أنه يجب تحقيق ذلك الهدف من دون فقدان كلا الزعيمين ماء الوجه.
أياً كان ما يقوله ترامب ويختار شي عدم قوله، هذا هو على الأرجح الاتجاه الذي تسير نحوه هذه المنافسة.
*كريس بلاكهيرست Chris Blackhurst: صحفي بريطاني بارز ومتخصص في شؤون قطاع الأعمال والاقتصاد. عمل في عدد من الصحف الرائدة، من بينها "الإندبندنت" حيث شغل منصب رئيس التحرير، إلى جانب مساهماته في "الأوبزرفر" و"إيفنينغ ستاندرد" وغيرها. يتميز بتحليلاته العميقة ومتابعاته الدقيقة لقضايا المال والأعمال، وله حضور واسع في الإعلام من خلال مقالاته وتعليقاته الاقتصادية.