عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Apr-2019

حكومة بابا - يوسف غيشان

 

الدستور -انتمي إلى عائلة ذات تاريخ عريق في المجال الطبي، لا بل، قدمت التضحيات تلو التضحيات في سبيل تقدم العلم في المجال الطبي والعلاجي، وذلك عن طريق إجراء التجارب الخطرة على أفراد العائلة، غير حافلين بالنتائج الوخيمة التي قد تطالهم جاعلين أنفسهم مكان فئران التجارب بكل محبة وإيثار، باذلين الغالي و(النفيس) في سبيل رفعة البشرية وتقدمها.
قبل ثلاثة أرباع القرن قدم جدي لأبي، حياته فداء على مذبح البشرية، إذ كان يعاني من مغص شديد في المعدة وإمساك بالغ القساوة. عمي الذي كان أحد العسكر التابعين لكلوب باشا آنذاك، وكان يشاهد الإنجليز الذين يعالجون هكذا حالات عن طريق حقنة شرجية من الألمنيوم مع بربيش وجهاز ضخ يدوي من المطاط، حيث تملأ العلبة المعدنية بالماء والملح الإنجليزي الخاص بالموضوع.
 وقد قرر عمي تطبيق ما تعلمه من طب دون الحاجة إلى تلاوة قسم ابقراط، فأجرى اللازم، مع فارق بسيط إذ انه ملأ الحقنة، إضافة إلى الملح الإنجليزي، بالماء المغلي (ربما اعتقد انه الأفضل لتمشي المعدة)، وما ان تسلل السائل الحار إلى مصارين جدي المبجل حتى قفز من الفرشة وهو شبه عار وخرج إلى الشارع يصرخ حتى سقط أرضا. نقلوه إلى البيت مغمى عليه، ومات بعد أيام. مات دون ان يصرخ بعبارة ارخميدس: (يوريكا ...يوريكا) لما خرج عاريا من الماء عند اكتشافه لقانون السائل المزاح. جدي قدم إسهاما عظيما للبشرية دون تبجح واكتشف قانون: (الماء الساخن يتلف المصارين) .... ومات بلا غثبرة ولا من يغثبرون.
وكان والدي قبل حادثة جدي (عودة)، قدم حاسة السمع على مذبح التضحيات، حيث التهبت أذناه وفقد السمع في قصة تراجيوكوميدية  ، لكن العالم اكتشف من هذه التجربة الفريدة  ان الزيت  في درجة الغليان  يؤذي الأذن ، وتوقف البشرعن استخدامه في معالجة التهابات القنوات السمعية..
والدي الأطرش مات ولم يسمع بهزيمة حزيران. بعد شيخوخة منقوعة بالفقر قام بقلع أسنانه بالكماشة وأحيانا عن طريق ربط الضرس بخيط المصيص وربط طرفه الأخر بباب الدكان العملاق، وكانت مهمتي دفش الباب حتى يخرج السن بكل رباطة جأش. وهكذا اكتشف والدي ان الكماشة وخيط المصيص والأبواب العملاقة يمكن تحويلها إلى أدوات جراحة ناجحة في الدول النامية.
وقد حاول والدي وجدي لأمي تقديم أخي أضحية على مذبح التقدم البشري حين حاولا إدخال حامض النيتريك (مية النار ما غيرها) الذي يستخدم في تبييض طناجر النحاس، حاولا إدخاله في مجال معالجة الحزازات وداء الثعلبة والصدفية وما شابهها. إذ صب الاثنان القليل من مية النار على ثعلبة صغيرة ظهرت في رأس أخي على غفلة من الوالدة. فقد الولد الوعي لعدة ساعات، وتمت الاستعانة بالطب التقليدي (أطباء قسم ابقراط) إلى ان نجا بصعوبة مع حفرة عميقة في الرأس لم تستعد شعرها كاملا حتى الآن.
اعتقد ان عائلتي تستحق ان تحصل على وسام من منظمة أطباء بلا حدود، بالمشاركة مع حكومات تحل الازمات بذات طريقة عائلتي الموقرة.