عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2022

ضرورة تعليم فلسفة الأخلاق* علاء الدين أبو زينة

 الغد

عندما يوصف أحد بأنه «خلوق»، فإن الناس يتعقبون فيه صفات سلوكية «كونية» – أكثر أو أقل. سيقال مثلاً إنه صادق، أمين، كتوم، متعاطِف، بشوش، مُحترم لخصوصية الآخرين ولا يؤذي أحدًا بقول أو فعل… وهكذا. لكنّ هذه الصفات ستصبح أكثر «محلية» عندما يُضاف إليها بُعد أيديولوجي أو عُرفيّ. ربما يضاف شيء من قبل: إنه ملتزم دينيًّا، يؤدي الفرائض والطقوس، ويطبق الوصايا الأخلاقية والعملية للعقيدة المخصوصة. وعندئذٍ، لن تجعله كل الصفات الكونية المذكورة خلوقًا ما لم يلتزم بالشروط الأخلاقية المفروضة للجماعة التي تصدر الحكم الأخلاقي.
تعلم المجتمعات أبناءها منظومات «أخلاقية» جاهزة يُعتقد بصوابها المطلق، يستظهرونها ويقيسون عليها كمعيار لتقدير الصواب والخطأ. ويشكل هذا أساسًا للـ»الآخرية» -إلى جانب العرق، والقومية، والجندر وما شابه- قد يفضي، في أحواله المتطرفه، إلى العداء والإقصاء لصاحب المنظمومة الأخلاقية المختلفة، حتى لو التزم بالأخلاق «الكونية» التي تعتبر «أخلاقية» بالمعايير المحلية. وعلى سبيل المثال، يشكل هذا عندنا أساسًا لـ»التكفير».
ما تفعله فلسفة الأخلاق هو أنها تُفسر، وتزودنا بالأدوات لنفسر، الحكم الأخلاقي. إنها تُعلم النظريات التي يمكن أن تصف بشكل منهجي ما يجعل الأفعال توصف بأنها صحيحة أو خاطئة. وهي لا تقف عند توصيف الفعل المعني كصائب أو خاطئ كما هو، وإنما تشرح المنهجيات والآليات التي تجعله كذلك. ويُفترض أن تؤدي المعرفة بنظرية الأخلاق، في سياق المعرفة بفروع الفلسفة الأخرى، وخاصة المنطق، إلى توسيع أدوات الحكم الأخلاقي، وتدريب العقل على فهم نسبية الأخلاق. وعلى الأقل، يُفترض أن تجعل الحكم الأخلاقي أكثر تسامُحًا وتفهمًا لمنطلقات الآخر -من دون تبنيها بالضرورة.
تصعب بعجالة إضاءة فلسفة الأخلاق وانشغالاتها. لكنها تبحث في أنواع المقاربات الأخلاقية والأخلاق. ويقسم مبحثها الأخلاق إلى فروع. ثمة «الأخلاق الفوقية» أو «التحليلية»، التي لا تُعنى بتحديد صواب أو خطأ المواقف العملية، وإنما بالكيفية التي نفهم بها الخطأ والصواب ونعرِف عنهما، وما الذي نعنيه عندما نصف فعلًا بأنه صائب أو خاطئ. والسؤال الأخلاقي الفوقي سؤال نظري من قبيل، على سبيل المثال لا الحصر: هل يمكن على الإطلاق تحصيل معرفة أكيدة لما هو صائب وما هو خاطئ»؟
وثمة «الأخلاق المعيارية» التي تدرُس الفعل الأخلاقي نفسه، وتطرح مجموعة الأسئلة التي تُثار عند التفكير في كيفية التصرف من الناحية الأخلاقية. وهي تتأمل في معايير صحّة الأفعال وخطئها وتصف كيف يجب أن يتصرف الناس. وفي بعض الأحيان، تسمى الأخلاق المعيارية «توجيهية» لأنها تعلّم ما يجعل الأفعال صحيحة وخاطئة. وتساعد في صياغة مبدأً أخلاقي شامل يساعد المرء في حسم قراراته الأخلاقية.
وثمة «الأخلاق التطبيقية» التي تبحث في الأمور والقضايا الخلافية، وتُعنى بالتجلي العملي للاعتبارات الأخلاقية. وهي تتعلق بالإجراءات الواقعية في مجالات الحياة الخاصة والعامة، والمهن، والصحة، والتقنية، والقانون، والقيادة. وعلى سبيل المثال، يبحث هذا الفرع من فلسفة الأخلاق في مسائل حيوية مثل القتل الرحيم، أو استخدام الأجنة البشرية في الأبحاث، أو الإجهاض، أو الحكم بالإعدام. وهي تحاول محاكمة الصواب والخطأ في مثل هذه الأعمال باعتبار عواقبها.
وثمة «الأخلاق الوصفية» أو «المقارنة»، التي تدرس معتقدات الناس حول الأخلاق. وهي شكل من أشكال البحث التجريبي في مواقف الأفراد أو المجموعات، وتشتغل على استكشاف المعتقدات حول القيم والأفعال من حيث الصحة والخطأ. وتبحث عن المثل الأخلاقية والأعمال التي تكافؤها أو تعاقبها المجتمعات المخصوصة.
المقصود من هذه المقاربات المختلفة لثيمة الأخلاق أن تزود الأفراد بالمعرفة، والأدوات، لمحاكمة أو إعادة محاكمة المعتقدات الأخلاقية ونصب ميزان مرن للسلوك والتخلص فخ الأحكام المطلقة. ويُفترض أن تخفف المعرفة بفلسفة الأخلاق من التطرف والعدوانية والتعصب من خلال تمرين العقل وتخليص عضلاتها من التشنج الأخلاقي. لكن تدريسها في المدارس قد يأتي بنتائج عكسية إذا لم يدرسها معلمون على تقريب المفاهيم المجردة، متحررون من الانحيازات المسبقة وعادة تلقين المنظومات الأخلاقية المؤطرة بدلاً من التركيز على تعليم أدوات إطلاق الحكم على الأفعال والمنظومات.
كما تحتاج إلى مناهج فلسفية تراعي القدرات الإدراكية للطلبة بحيث لا تصيبهم بصدمة معرفية بسبب صعوبة المفاهيم أو طريقة عرضها. وينبغي أن تتكامل مناهج فلسفة الأخلاق مع بقية المكونات التاريخية والتعريفية والنظرية والعملية للفلسفة لتحقيق توسيع العقل الاجتماعي وتدريبه على إقامة الصلات. وفي حالة النجاح المعقول، سيعمل ذلك على تخفيف العنف والعزلة والحدة، لصالح التفهم والعقل النقدي الإيجابي.