عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Sep-2020

الحق في التعليم عن بعد*موفق ملكاوي

 الغد

يمثل الحق في التعليم واحداً من الحقوق الأساسية للأفراد، ومحلياً، ضمنت الدولة الأردنية هذا الحق على مدار عقود طويلة، استطاعت خلالها أن توسع مظلة التعليم وأن تشمل به كل المجتمعات الأردنية، حتى تلك المجتمعات غير المستقرة والتي اعتادت الرحيل والتنقل الدائم.
خلال تلك السنوات، سجل الأردن إنجازات لافتة في نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة، وبمعدلات قياسية، وصلت في العام 2015 إلى 98 %، محتلاً المركز الأول عربياً، والعاشر عالمياً.
هذه الارقام اللافتة، ضمنتها التشريعات التي أقرت الحق في التعليم وشموليته وإلزاميته ومجانيته. لكن في عصر التعليم عن بعد الذي يظهر بأن علينا التعود على وجوده للفترة المقبلة، كيف يمكن لنا أن نضمن مثل هذه الحقوق؟!
بالتأكيد، فإن وزارة التربية والتعليم حاولت أن تؤسس خطوات مهمة في عملية التعليم عن بعد، وهي خطوات جيدة يمكن البناء عليها لإقامة أنموذج محلي لهذه العملية المعقدة والتي ما يزال العالم كله يحاول التجريب فيها. المهم في الأمر، أن التجربة يجب أن تخضع دائما للتقييم والتصحيح بناء على المعطيات على الأرض.
التجربة المحلية المرتبكة حتى اليوم بحاجة إلى إصلاح، هناك أوجه ضعف وقصور لا يمكن القفز عنها، وتحول دون عدالة التعليم وشموليته، بينما ينتفي مبدأ “المجانية” عن نسبة كبيرة من الطلبة.
تصر وزارة التربية والتعليم حتى اليوم على مركزية صارمة في تنفيذها عملية التعليم عن بعد، من خلال منصة “درسك” والقناة التلفزيونية الرسمية التي تعرض الدروس لمختلف الصفوف، وهي تجربة، حتى اليوم، لم تثبت نجاعتها، بما رافقها من شكاوى وإشكاليات عديدة حرمت نسبة لا بأس بها من تلقي تعليمها.
إن محاولة الوزارة القتال على جميع الجبهات بشكل مباشر، سيؤدي دائماً إلى ضعف المخرجات، بينما لم تحاول حتى اليوم الاستفادة من مديريات تربية عديدة في المدن والمحافظات، يمكن أن يتم منحها مسؤوليات محددة في بناء منظومات خاصة بها للتعليم عن بعد، لتحقق بذلك لا مركزية فاعلة.
لو منحنا مديريات التربية والتعليم المختلفة صلاحيات في بناء منظومات التعليم وإدارتها، فسيكون ذلك أفضل في ضبط عملية التعليم، وسوف يتسنى للوزارة إجراء الرقابة والتقييم الدائمين على العملية، بما يضمن الاستمرارية والشمولية والجودة، فتفويض الصلاحيات لتلك المديريات سوف يحول العملية إلى مجموعة عمليات بحسب مساحة ولاية المديرية الواحدة، ما سيؤدي بالضرورة إلى تركز جهود الوزارة على مراقبة المديريات وليس المدارس، وعندها تستطيع ضبط الاختلالات التي قد تنشأ في أي مكان.
اليوم، لا توجد رقابة على عملية التعليم واستفادة الطلبة منها، ولا يوجد تقييم حقيقي لها، فالوزارة تكتفي ببث الدروس، بينما لا تعلم كيفية تلقيها من قبل الطلبة، أو درجة وضوحها أو الاستفادة منها. في الأسبوع الماضي، نشرت الوزارة بفرح أن هناك أكثر من 800 ألف طالب دخل المنصة في يوم واحد. هذا الرقم رغم أنه كبير إلا أنه لا يمثل أي عدالة أو شمولية، فهناك ما لا يقل عن مليون ونصف المليون طالب في التعليم الحكومي، ما يعني أن نصفهم لم يدخل!
ولكن، كيف يمكن للمديريات ضمان نجاح تجربة التعليم عن بعد؟
قد لا يكون الأمر سهلاً، ولكن هناك خيارات عديدة قد تنتهجها المديرية كمركز، أو تفويض المدارس بها، وأن تتم عملية التعليم من خلال صفحات تواصل اجتماعي، أو إذاعات مجتمعية أو دروس مصورة، أو غير ذلك من الآليات التي يمكن الاتفاق عليها بالنظر إلى طبيعة المجتمع المستهدف.
إن بقاء منصة درسك بمثابة المصدر الوحيد للتعليم عن بعد، يعد تضييقاً على الطلبة وأهاليهم، وابعاداً لخيارات أخرى عديدة يمكن أن تشكل حلولاً معقولة للتحديات التي تواجهنا.
في حال تخلي الوزارة عن مركزيتها في بناء الأنموذج وإدارته بشكل مباشر، سوف تمنح مساحة أكبر للمدرسة وللمعلم في الاضطلاع بدوريهما في عملية التعليم، وهو ما يمكن أن يؤدي بنا إلى اقتراح نماذج وصور عديدة لهذه العملية التي ما تزال الوزارة تحتكرها.
لا أملك منظورا للكيفية التي سيتم من خلالها تفويض المديريات بالأمر، لكن بالتأكيد فإن عملية كهذه ستكون أكثر شمولية وعدالة مما يتم تطبيقه اليوم، كما إنها تحقق مبدأ الحق في التعليم للجميع.