الراي
بالأمس تبادلت الحديث مع زميل عربي واعٍ، من أهلنا في فلسطين المحتله، له موقع شخصي وفكري مرموق عندنا في الأردن وفي أوساط إخوتنا الفلسطينيين. لم يكن بحديثه إلا ناصحاً مهتماً حدَّ القلق، جرّاء سياسات وأقوال وتداخلات البعض، عرباً بالذات، او عرباً بُسَطاء أو مضَلَّلِين، حول ما يجري الان في الضفة الغربية. ومجمل قوله: انه يعتزّ بموقف الأردن المستدام الشفاف، والجريء من توحُّشِ حرب نتنياهو على فلسطينيي الضفة وغزه. لكن الزائر يُدرِكُ بل يخشى من ترديد بعض ابناء جلدتنا، ممن لا يحيطون بالأبعاد السلبية لتَرْدَاد اخبار أو طلب تبنِّي مواقف ينشدونها من الغير، بفعل حماسهم وعواطفهم، ونقمتهم وشدة غيضهم على الغاصب المحتل، دون ان يروا ابعاد كل ما يقال ويردد. إذ هناك فجوة وخطر، ما بين ما يرددون وينشدون، وبين أبعَادِ أقوالهم، التي ربما، تخدم بالمُحَصِّلةِ، نتنياهو وجنوده.
أليس واضحا، عندنا، واكثر مما مضى، أن حرب إسرائيل، هي حرب ذات جوانب، مقنّعة الأهداف؛ بعضها أسقطت غزة أقنعتها؟ هي ليست حربا فقط على حماس وعباس وهنية واهل غزة والضفة، إنها عنصرية تعمل على «خلق بيئة طاردة» لإخوتنا من فلسطين، وضمٍّ زاحف وحيازةٌ للارض». كما هي بالتوازي»، حرب معلنة، واضحة في تصريحات مسؤوليهم، او مقنَّعة من بعضهم، لكن أيديهم وأفعالهم لا تَخْفَى على كلِّ ذي بَصِيرَةٍ: هم يسيئون لأنفسهم، ولا يقرأون المستقبل. ولا يقرأون التاريخ، كما لا يدركون أنهم بجرائمهم يزرعون وينمّون المزيد من «أجيال الغضب الجديدة»، الفلسطينية، والعربية، وأجيال في الغرب!
إن أفعالهم تُحْدِثُ أضراراً إقليمية لمن يحيط ويسند إخوتنا لتثبيتهم على ارضهم، كما يعمل الاردن، بالذات. فالمحتل يستثمر في كل قول او خبر ويحرِّفه لصالحه، في الداخل وفي دول الغرب وصحافتهم. هم العدوُّ. كما وأن الجهل عندنا، عدو ايضا. فلنحذرْهُم، ونحذَرْه.
لقد قلِقَ زميلي الوطني الفلسطيني من اخبار كررها جهلة أو... عرباً وفلسطينيين، في الداخل والخارج. وظهرت على صفحات بعض صحف عبرية على شاكلةِ تصريحات هادفة من مسؤولين اسرائيليين! ما أقْلقَ زميلي: تكرارُ الإشارة إلى أخبار من البعض عن تدفق وتهريب أسلحة عبر الأردن الى الضفة الغربية. مضيفاً القول: انه حتى «ولو كان» هناك دعم من خلال الأردن، فيجب تجنُّب ذِكره، لان ذلك تستثمرُه ضدنا، آلةُ نتانياهو المتوحشة، من خلال طريقين: أولهما: يستثمره نتنياهو لتبرير وجوده وحملته العسكرية التدميرية، والاستيطان الزاحف في الضفة الغربية الآن، وبالأمس، ومنذ بداية الاحتلال. ويستخدمه لتجذير، وتبرير هذه الحرب، أمام الغرب واميركا، المُضَلَّلَ، والداعمة لإسرائيل، وتحت عنوان: ان إسرائيل تدافع عن نفسها؟
وثانيهما: يستثمر نتنياهو أخبار اتهام الاردن بتهريب السلاح للضفة الغربية، للتشكيك بمواقف الأردن وتلبيسه تهماً أخرى، ومنها التحالف مع ايران، هادفاً ان يقرأها الغرب المتحيّز، وليشكك بالأردن واعتداله وانحيازه للسلام. والحصاد المرّ من هذا، يَجْرِي بالتوازي مع وتحت مضلَّة تبدو للبعض ظاهريا، انها مواقف جيدة من الأردن داعمة للمقاومه بالسلاح والمؤونة!! ومُحصِّلَة ومردود استثمار نتنياهو من هذا التضليل: تبرير لجرائمه واستمرار إحتلاله للضفة الغربي، وتدمير البنية التحتية ومصادرة أراض، وتهجير اهلها، وإضعاف لسندها الوفي–الأردن!. كما ويجلب نقمة أميركا السياسية والاقتصادية ونقمة أوروبا، على الأردن!
نتنياهو هو متهم و يعرفه قومه، بأنه صيّاد أناني، نرجسيٌ، فاسد ومجرم. ونَعرِفُه نحن، زارعٌ للفتنة والشقاق، وحانقٌ على كل من ينادي بالحلول ووقف الحرب على كل من حتى من"مصلحته» ان يقف مع الاعتدال وينافسه في القُرْبِ من الغرب
وبعد ان ختم زميلي حديثه، وجدت نفسي لا اختلف معه في معظم قناعاته. وبأن الله لا يقف مع الظالمين، مهما طال وإمتدَّ عُلُوَّهُم.