عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2019

الهجوم التركي على شمال سوريا يودي بحياة إعلاميين ومخرج سينمائي

 منظمات دولية تدين... و «الشرق الأوسط» تحاور مقربين من الضحايا لتوثيق الانتهاك

 
القامشلي (شمال شرقي سوريا) -الشرق الاوسط-  كمال شيخو - أُطفِئت عدسات كاميراتهم، وسكتت أدواتهم الصحافية، وتوقفت قلوبهم عن النبض، بعد أن نقلوا للعالم أحداث وروايات وصوراً وتقارير مرئية عن يوميات الحرب الدائرة في مسقط رأسهم. إعلاميون عايشوا الحرب وقدموا قصصاً وتقارير مكتوبة وإذاعية عن الفظائع والجرائم التي ارتكبتها الجهات المعتدية على تراب بلدهم. كانوا رسلاً للحقيقة، ودُفِنت جثامينهم في مقابر الشهداء.
 
المصوّر الإعلامي محمد حسين رشو مراسل قناة cira tv»» الإيزيدية، والإعلامي سعد الأحمد مراسل وكالة « ANHA » الكردية المحلية، والمخرج السينمائي وداد فاتح أردمجي؛ إعلاميان ومخرج سينمائي لقوا مصرعهم أثناء عملهم في تغطية معركة رأس العين أو «سري كانيه»، بحسب تسميتها الكردية. ففي 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأثناء توجُّه قافلة إنسانية إلى المدينة الحدودية مع تركيا، وكانت الأخيرة شنّت هجوماً عنيفاً في التاسع من الشهر نفسه، كان هؤلاء الثلاثة بين القافلة برفقة طواقم طبية وفرق إنسانية لإنقاذ ورصد استهداف المدنيين وسكان البلدة الآمنة، إلا أن الموت كان أسرع من وصولهم إلى قلب المعركة، لنقل الحقيقة وعرضها للرأي العام الكردي والعربي والعالمي.
 
بحسب شهادة الإعلامي دلشاد جودي ويعمل مع وكالة «ANHA»، فإنّ زميله أحمد والمصور محمد أكينجي كانا من بين مجموعة من الصحافيين المحليين والأجانب في طريقهم لتغطية مظاهرة ضد الهجوم التركي، عندما قصفت قافلتهم يومذاك، وكانت الحصيلة أن أحمد لقي حتفه، وأُصيب رفيقه محمد بجروح بالغة، وأُسعِف إلى المستشفى، وحالته تتماثل للشفاء.
 
كما وثّقت اتحادات ومنظمات إعلامية إصابة أرسين جاكسو مراسل «وكالة فرات للأنباء» المحلية، ودلسوز دلدار مراسل «وكالة نورث بريس»، وآمال يونس مراسلة قناة «Sterk TV»، في الضربة ذاتها، إلى جانب استهداف ثلاثة صحافيين آخرين أصيبوا في الهجوم الذي استمر بين 9 و17 من الشهر الحالي.
 
 
 
مشهد قاتم
 
يروي الصحافي عبد الحليم سليمان مراسل النسخة العربية من صحيفة «إندبندنت» البريطانية ووكالة «نورث برس» السورية، المتحدر من سري كانيه، كما يسميها، كيف غطى أكثر الجبهات سخونة، إذ كان على الخطوط الأمامية في معركة الباغوز، شهر مارس (آذار) الماضي، عند القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، واليوم يغطي معركة مسقط رأسه.
 
وصف عبد الحليم المشهد بـ«القاتم والسوداوي»، وحاول العمل بمهنية وموضوعية في تغطية الحدث، لكنه كان ينقل صور ومشاهدات أهله وجيرانه وأصدقائه، ويقول: «عشرات الآلاف خرجوا دفعة واحدة في أقل من ساعتين، ولم يكونوا متهيئين لهذه الكارثة الإنسانية، يسكنون اليوم بالمدارس والمنازل المهجورة، وآخرون بالمحال التجارية، وبعض منهم ينامون في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء».
 
يروي تلك اللحظات وكيف اختلطت لديه مشاعر القلق على مصير أهله وعائلته من جهة، والحزن وذرف الدموع على أحوال أبناء جلدته، و«الشهداء الذين سقطوا جراء الهجوم التركي»، وأضاف: «عائلتي نزحت لحظة قصف الطيران التركي للحسكة المجاورة، بناتي الثلاث وهن صغار بالعمر وأمهم وجدتي الثمانينية العاجزة التي حملناها، كل هذه الصور كانت قاسية وصادمة مُحال نسيانها».
 
أما الصحافية لامار أركندي، المتحدرة من مدينة القامشلي وتكتب في موقع «المونيتور» الأميركي، كما تعمل ناشطة في مجال حقوق الإنسان، نقلت كيف سقطت أول قذيفة من الجانب التركي على حارتها (قدوربك) على بعد أمتار قليلة من منزلها، مستهدفة مركزاً لتعليم اللغة الكردية، وقالت: «الشظايا قتلت طفلاً بالعاشرة وكان أول ضحية مدنية، وتعرضت شقيقته سارا إلى بتر قدمها، لتُحرَم من طفولتها واللعب مع أطفال جيلها، وما زالت بالسادسة من عمرها».
 
بينما أكد إيفان حسيب، المتحدر من مدينة الحسكة ويعمل مصوراً صحافياً منذ 2014، وكان مراسلاً لقناة «رووداو» الكردية، و«سكاي نيوز»، وينشر تقارير مصورة مع وكالة «أسوشيتد برس»، أن أكثر المخاطر والتحديات التي واجهت عمل الإعلاميين والمراسلين أثناء تغطية معركة رأس العين «قصف الطيران التركي المستمر واستهداف كل شيء يتحرك، إذ كانت تقصف سيارات إسعاف ومشافي ومدنيين وقوافل إغاثية»، وشدد على أنّ مهمة الصحافي نقل الصورة للعالم الخارجي، رغم المخاطر المحدقة بالمهنة، فأثناء تغطيته «كنتُ أُضطر للتصوير من مكان مرتفع، أو اعتلاء سطح بناية، لرصد المشاهد وأخذ مقاطع وصور تعطي صورة أوضح وأدق، هذه النقاط كانت مستهدَفة من قصف الطيران، كنت أخشى كثيراً على حياتي».
 
 
 
إدانة دولية
 
بدورها، أدانت لجنة حماية الصحافيين الدولية استهداف الطيران الحربي التركي لقافلة الدعم الإنساني المتوجهة إلى مدينة رأس العين الكردية، التي تعرضت لهجوم عنيف، وكان فريق الطوارئ التابع للجنة حماية الصحافيين، بقيادة ماريا سالازار فيرو، يراقب عن كثب الوضع في شمال سوريا، وكانوا على اتصال دائم مع كثير من الصحافيين والنشطاء المحليين الذين غطوا النزاع، وقالت في إفادة صحافية: «نشعر بقلق عميق إزاء الاستهداف الواضح لقوافل مدنية في شمال سوريا، يجب على القوات التركية احترام المعايير الدولية وضمان عدم استهداف الصحافيين والمدنيين الآخرين»، وأوضحت أن هذه الهجمات محظورة بموجب القانون الدولي ونوهت: «قد تشكل جرائم حرب».
 
ومن بين أكثر المشاهد التي نشرت الرعب والذعر بين المدنيين والإعلاميين على حدّ سواء، قيام الفصائل المسلحة بـ«الجيش السوري الوطني» المدعوم من الجيش التركي، باعتقال الأهالي وقتلهم وارتكاب انتهاكات، كحادثة اغتيال أمين عام حزب «سوريا المستقبل»، هيفرين خلف.
 
ويتحدث الصحافي عبد الحليم سليمان كيف غطى معركة الباغوز، وكان الطيران الدولي يدعم تحركات «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، وقال: «كان التحرك أسهل، لا سيما بالتنسيق مع الفرق الإعلامية العسكرية، أثناء التنقل لتغطية المعركة»، لكن هذه المرة كان الطيران الحربي يقصف القوات المدافعة عن مدينته، ويضيف: «لذلك كان العمل الإعلامي أخطر من القتال نفسه، وللأسف، لا توجد أدوات وسائل الحماية الشخصية، وتكاد تكون معدومة، الأمر الذي يزيد من مخاطر العمل الصحافي، في هذه البقعة الجغرافية من سوريا».
 
أما الإعلامية وناشطة حقوق الإنسان لامار أركندي، فقد أوضحت أن عدسات الصحافيين تتسابق لتغطية الجبهات المشتعلة في المناطق الساخنة، بهدف رصد وتوثيق العمليات العسكرية الدائرة داخل المدن... «لرصد وتوثيق مجريات الأحداث والأوضاع الإنسانية والانتهاكات التي يتابعها الناس العاديون، لأن هؤلاء الإعلاميين سفراء الحقيقة»، الأمر الذي يتطلب كثيراً من الجرأة والتحدي من الصحافي الحربي، بحسب أركندي.
 
وتضيف: «عليه أخذ الحيطة والحذر من أي ظرف طارئ أو مفاجئ قد يتعرض له؛ من قصف أو خطف أو أَسْر، كما عليه أن يأخذ بالحسبان نتيجتها، التي قد تكون كارثية وتعرّض حياته للخطر». وفي صيف 2016، وأثناء هجوم واسع شنّه عناصر تنظيم داعش المتطرّف على مدينة الحسكة، مسقط رأس المصور الصحافي إيفان حسين، كان موجوداً يغطي الحدث، إلى جانب تغطية جبهات الرقة ودير الزور ومعركة الباغوز، وآخرها تغطية معركة رأس العين، وتابع قائلاً: «مهمة الصحافي نقل هذه الصور والمشاهدات الأولية، التي قد تكلفه حياته، فضلاً عن تغطية الاشتباكات العسكرية، وإجراء مقابلات مع المقاتلين والقادة الميدانيين، وهذا كله كان يشكل تحدياً كبيراً وسط المعارك العنيفة».
 
 
 
الشمال السوري مهدد بالإفراغ من صحافييه
 
دفع مقتل صحافيين اثنين، وإصابة أكثر من سبعة آخرين جراء العمليات العسكرية والقصف الذي شنّه الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية لها، شمال شرقي سوريا، كثيراً من المراسلين الغربيين إلى مغادرة المنطقة بعد تدهور الوضع الأمني.
 
وفي هذا الصدد، قالت صابرين النوي مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في منظمة «مراسلون بلا حدود»، إن الشمال السوري مهدد بالإفراغ من صحافييه: «ليصبح بؤرة سوداء لوسائل الإعلام، إذا لم تتخذ السلطات التركية والسورية، كل الإجراءات اللازمة لضمان سلامتهم والسماح لهم بأداء عملهم»، مضيفة أن القانون الدولي يحظر بشدة أي اعتداء على الصحافيين، وتابعت كلامها لتقول: «حيث يفرض على الأطراف المتحاربة حماية العاملين في مجال الإعلام، على غرار نظرائهم العاملين في المجال الإنساني وبقية المدنيين».
 
وتحاول الإعلامية لامار أركندي رصد الصور والمشاهد الأولية لحفظها في ذاكرتها وكتابتها على شكل يوميات الحرب، لتقول: «ما زالت صور الناس متمترسة بذاكرتي، قابعة أمام عيوني، وهم يغادرون بيوتهم هرباً من آلة الحرب، وخوفاً من الموت الذي طرق أبوابهم بشكل مفاجئ، فسكان الأحياء باتوا في مرمى نيران المعارك المستعرة في بلدهم منذ ثماني سنوات».
 
واعتبر الصحافي عبد الحليم سليمان أن مدينته، رأس العين، تعني له الكثير، حيث وُلِد وترعرع فيها، وقد تعرضت في أواخر 2012 إلى هجوم من قبل المعارضة السورية المسلحة بقيادة تنظيم «جبهة النصرة» - الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» الدولي المحظور، وعلى أثرها نزح أهلها إلى مدن الجزيرة، وآخرون لجأوا إلى تركيا، أما اليوم، فشنّت تركيا وفصائل سورية موالية لها هجوماً عنيفاً، وتكرر السيناريو ذاته، واختتم حديثه قائلاً: «آنذاك أعلن مقاتلو (الفصائل) و(النصرة) أن هدفهم من غزو (سري كانيه) السيطرة حتى ضفاف نهر دجلة، واليوم تكررت الحالة للقضاء على الوجود الكردي في شمال سوريا، ولخنق كردستان العراق إذا نجحوا في مخططاتهم».