عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Mar-2025

النظام العالمي الذي أسهمت أميركا في بنائه ينهار في عهد ترامب

 الغد-توبياس إلوود* - (الإندبندنت) 2025/3/12

 
 
يسهم نهج ترامب في تفكيك النظام العالمي الذي ساعدت أميركا في بنائه، مما يؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وإعادة توزيع مراكز القوة، وهو ما قد يضع العالم على مسار صراع أوسع في ظل انقسام متزايد بين الغرب من جهة، والصين وحلفائها من جهة أخرى.
 
 
في سياق بحثنا عن أدلة حول مستقبل أميركا، يصر الإعلامي البريطاني الشهير، بيرس مورغان، وغيره من حلفاء دونالد ترامب، على أنه ينبغي لنا أن نحكم عليه "من خلال أفعاله، وليس أقواله". لكننا شهدنا لغاية اللحظة ما يكفي من الأفعال لفهم ما يعنيه كل ما يجري.
الآن، أصبحت قطع الأحجية الخاصة بترامب واضحة بما يكفي للكشف عن المشهد الأكبر والصورة الأشمل -وهي صورة صادمة وذات تبعات هائلة لدرجة أن قلة من الناس يجرؤون على التحدث عنها والتطرق إليها.
في هذا السياق، إذا ربطنا بين أفعال ترامب والسردية التي يروج لها، والمطالب التي يفرضها الآن، فسوف نصل إلى رؤية تثير القلق. لقد تلاشى أي شعور بالواجب الوطني لدعم أو إصلاح النظام العالمي المنهار الذي ساعدت أميركا وبريطانيا في إرسائه في يوم من الأيام.
ومعه اختفى أي شعور بالولاء للحلفاء التاريخيين والتحالفات التقليدية. كما أن شل مؤسسات، مثل "مجلس الأمن الدولي" و"منظمة التجارة العالمية"، يسهم في تسريع انهيار العولمة. وفي الحقيقة، يترقب ترامب بزوغ فجر عصر جديد حيث تنكفئ الدول وتنطوي على نفسها.
ضمن هذه الرؤية، يجري التخلي عن النظام الدولي القديم، ويعد فيها "نظام بريتون وودز" -الاتفاقية التي أبرمت بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1944 في "بريتون وودز" في الولايات المتحدة الأميركية بهدف تحقيق إرساء النظام المالي الحديث- بالياً وقديم العهد، ويعاد توزيع مراكز القوة من خلال محاور النفوذ الإقليمية: عالم من الفوضى، سمها غابة إذا شئت، حيث تقوم قلة من الوحوش المهيمنة ببسط سلطتها على أراضيها بقوة وحشية.
في ظل هذا المنطق، يجب أن تصبح غرينلاند وبنما تحت السيطرة الأميركية. أما أوكرانيا، في الجانب الآخر من العالم، فتخضع لسيطرة روسيا. وفي غضون ذلك، يُنظر إلى أوروبا وكندا والمكسيك الآن باعتبارها جهات اقتصادية منافسة. وإذا لم يعد من الممكن إبرام صفقات تجارية وفق شروط تصب في صالح أميركا بشكل مطلق، فلكم أن توقعوا حينها فرض تعريفات جمركية موجعة.
لجعل هذا النظام العالمي الجديد يعمل، لا بد من إعادة الترحيب ببوتين، وإعادة دمج روسيا في الحظيرة الدولية. ويستوجب هذا الأمر أيضاً رفع العقوبات، وإبرام الصفقات. ولهذا السبب لن يعترف أي مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب بشكل صريح بأن روسيا هي التي بدأت الحرب. ولهذا السبب أيضاً صوتت أميركا مؤخرًا مع روسيا ضد أوكرانيا في الأمم المتحدة. ولهذا السبب خفضت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية الحيوية والضرورية لأوكرانيا.
تعد الترامبية مزيجاً من القومية الاقتصادية والحمائية القاسية التي يتم السعي إلى تحقيقها من خلال المواجهة، سواء مع الحلفاء أو الخصوم. وهي ترتكز بشكل أساسي على الاعتقاد بأن المصلحة الذاتية تكون لها اليد الطولى وتكون هي السائدة، وأن أميركا قادرة على فعل ما تشاء وأن تفلت من العقاب انطلاقاً من فرضية أن قلة من الناس سيقاومون، وأن البلد سيصبح أكثر ثراء وقوة ومرونة نتيجة لذلك. لكن هذا لن يحدث.
في خضم كل ما يجري، لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما كان ليفكر فيه رونالد ريغان بشأن المسار الذي تسلكه أميركا اليوم، وهو حتماً ليس الطريقة الأميركية التي نعرفها.
على الرغم من ميل الولايات المتحدة التاريخي نحو الانعزالية، فإنها سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق التوازن بين هذا الاتجاه والتزام الأمن العالمي والتجارة الحرة. وكانت هذه هي الركائز التي دعمت واحدة من أطول فترات السلام والازدهار في التاريخ الحديث. ولذلك، فإن التخلي عن هذه الالتزامات حالياً هو خطوة متهورة للغاية.
بالنسبة لبريطانيا وأوروبا، يمكن القول إن التأثير الجيوسياسي عميق جداً. على غرار ما أعلنه رئيس الحكومة في البرلمان البريطاني الأسبوع الماضي، فإننا دخلنا "عصراً جديداً من انعدام الأمن". والآن، يتطلب الموقف الدفاعي الأوروبي برمته إعادة نظر بشكل عاجل. ويتعين علينا أن نستعد لأميركا تنسحب عسكرياً من أوروبا وتتحالف بشكل لا يمكن تصوره مع المصالح الروسية أكثر من تحالفها مع المصالح الأوروبية.
في هذا الإطار، يزعم ترامب بأنه يسعى إلى إحلال السلام، غير أنه سيكون سلامًا وفق الشروط الروسية. دعونا لا نظل تحت أي أوهام: إن أي اتفاق من هذا القبيل لن يؤدي إلا إلى منح روسيا الوقت لإعادة بناء آلتها الحربية بهدف المواصلة وخوض صراع أوسع نطاقاً في المستقبل، هذه المرة من دون أن يعوقها أي تهديد بتدخل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
على النطاق الأوسع وفي المشهد الأكبر، بدأ العالم ينقسم فعلاً إلى معسكرين -الغرب مقابل الصين المدعومة بعدد متزايد من الدول الشمولية التي ترفض بصريح العبارة النظام العالمي الهش الذي كثيراً ما اعتبرناه أمراً مسلماً به. وإذا لم تتحد أوروبا وأميركا، ومع التحدي الذي تطرحه الصين للولايات المتحدة من خلال الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية، فسيكون من الصعب استبعاد احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة.
إننا نشهد حالياً نقطة تحول في التاريخ. وكلما طال أمد إنكارنا لهذه التجربة السياسية الخطرة التي تجري في أميركا، ضاق الوقت المتاح لنا للرد. وفي هذا دعوة إلى التحلي بالشجاعة اللازمة للقيام بما هو صحيح والتمسك بالدفاع عن حرياتنا وقيمنا -حتى لو كان هذا يعني الوقوف في وجه الرئيس ترامب.
 
*توبياس إلوود Tobias Ellwood: برلماني بريطاني ووزير دولة سابق ينتمي إلى حزب المحافظين.