عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Nov-2021

قراءة في مطالب إيران النووية

 الغد-عومير كرمي* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 24/11/2021

لم يعلّق خامنئي على استئناف المحادثات النووية منذ تموز (يوليو)، لذلك لا يمكن تقييم أفكاره المحدّدة حول الوضع الحالي لمجريات الأمور المتعلقة بإحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وستكون مقاربة المفاوضين الإيرانيين والشروط المسبقة التي يطرحونها في اليوم الأول من اجتماعات فيينا إشارة جيدة لما إذا كان النظام على استعداد لتجاوز الخطاب المتشدد وراء الأبواب المغلقة والموافقة على تسوية أم لا.
 
* *
بعد توقف دام أشهراً، تستأنف المفاوضات النووية الإيرانية في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) في محاولة لإحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”. ولتمهيد الطريق لاجتماعات فيينا، نشرت الصحيفة الرسمية لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي افتتاحية في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) بعنوان “عملية هزيمة العقوبات”. وشدد المقال على أن إيران تنتهج مقاربة جديدة تجاه الغرب منذ بعض الوقت تتمثل في توسعة نطاق تخصيب اليورانيوم وغيرها من الأنشطة النووية من أجل وضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي، وفرض إجابات عملية على المأزق. وتتوافق هذه الاستراتيجية مع خطاب المرشد الأعلى علي خامنئي خلال الأشهر الأخيرة، والذي أشار إلى تردده في العودة إلى إطار عمل “الخطة”.
إذن، ما الذي يعده المسؤولون الإيرانيون بمثابة اتفاق جيد؟ إذا كانت افتتاحية الحكومة تمثل أي مؤشر، فقد تحافظ الشروط التي سيقدمونها هذا الأسبوع على طابع مبالغ فيه، مع تكرار كبير للمطالب السابقة وإضافة بعض المطالب الجديدة التي قد تكون أكثر تشدداً.
المطلب الأول: يجب أن تركز المفاوضات على رفع العقوبات فقط. لطالما كانت إيران مصرة على رفض مناقشة أنشطتها في المنطقة أو برامجها الصاروخية في إطار المفاوضات النووية. غير أن الافتتاحية ذهبت أبعد من ذلك بقليل من خلال التشديد على أن النظام لن يتفاوض بعد الآن حول أنشطته النووية أيضاً. وقد صوّرت البيانات الإيرانية الأخيرة على نحو متكرر محادثات فيينا على أنها منتدى لمناقشة رفع العقوبات فقط، إما مقللةً من شأن ضرورة أن تشمل المناقشات أيضاً قضايا مثل تخصيب اليورانيوم أو متجاهلةً هذا الواقع. وعلى سبيل المثال، صرّح كبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية، علي باقري كني، لقناة “الجزيرة” في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) بأنه لا يوجد سبب يدعو إيران إلى وقف أنشطتها النووية التي تخالف “خطة العمل الشاملة المشتركة” ما لم “يُظهر الطرف غير الممتثل التزامه بها”، في إشارة إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق في العام 2018.
ونظراً إلى التقدّم النووي الملحوظ الذي حققته طهران خلال العام الماضي، فإن رفض التفاوض بشأن هذه الأنشطة إلى حين رفع العقوبات كافة قد يكون غير مجدٍ نظراً إلى أهداف الغرب القصوى المتمثلة بعدم انتشار الأسلحة النووية. وربما يكون موقف طهران مجرد خدعة تهدف إلى مساعدتها على تقليص نطاق الانعكاسات النووية المطلوبة أو استخدام “التسويات” الدنيا كأوراق تفاوضية. ومع ذلك، إذا رفض المسؤولون الإيرانيون حقاً تغيير رأيهم في هذا الصدد، فقد يشير ذلك إلى أنهم يستأنفون محادثات فيينا فقط لإضاعة (أو شراء) الوقت وليس للتوصل إلى اتفاق جديد.
المطلب الثاني: على واشنطن تعويض إيران عن انسحابها من “خطة العمل الشاملة المشتركة”. خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي في 8 تشرين الثاني (نوفمبر)، أصرّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على أن تقرّ الولايات المتحدة بمسؤوليتها عن الوضع الراهن. وقد ذهبت افتتاحية 14 تشرين الثاني (نوفمبر) أبعد من ذلك، معتبرةً أنه على واشنطن تعويض إيران عن خسائرها من أجل بناء الثقة اللازمة بين المفاوضين. وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد ذكر هذه الفكرة مرات عدة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مطالبته في 27 تشرين الأول (أكتوبر) بأن ترفع واشنطن التجميد عن 10 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة كبادرة حسن نية لإظهار أن لإدارة بايدن “رغبة حقيقية في رفع العقوبات”. وقد يصف بعض المراقبين ذلك على أنه الشرط الافتتاحي في اتفاق مؤقت قائم على مبدأ “الأقل مقابل الأقل” من أجل تخفيف حدة التوترات مع الولايات المتحدة والحدّ من التقدّم النووي الإيراني المستمر قبل إجراء محادثات أوسع نطاقاً. ومع ذلك، رفض المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً الاقتراحات الإضافية خلال العام الماضي، مشددين على أن الاتفاق الوحيد الذي سيبرمونه هو رفع كامل للعقوبات، تليه العودة إلى الامتثال للالتزامامت النووية في إطار “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
المطلب الثالث: يجب رفع العقوبات كافة غير المتعلقة بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”. لطالما شدّدت إيران على أنها تتوقع من واشنطن رفع جميع العقوبات التي “تتعارض مع الاتفاق النووي”، بما في ذلك 1.500 عقوبة فردية فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من “الخطة” في العام 2018، فضلاً عن العقوبات غير النووية وغيرها من الإجراءات أحادية الجانب التي فُرضت في عهد الرئيس أوباما. وفي تموز (يوليو) من هذا العام، نشر مكتب المرشد الأعلى مقابلة مع مندوب إيران لدى “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” كاظم غريب آبادي، الذي ادعى أنه خلال الجولات السابقة لمفاوضات فيينا، رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة في عهد ترامب عن أكثر من 500 شخص أو غيرها من القيود الرئيسية (على سبيل المثال، أوامر تنفيذية مختلفة تتعلق بحظر توريد الأسلحة؛ و”قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” للعام 2017).
المطلب الرابع: يجب وضع آلية للتحقق من رفع العقوبات فعلياً. في خطابه في عيد النوروز في آذار (مارس) 2021، اتهم خامنئي إدارة أوباما برفع العقوبات “على الورق” فقط خلال السنوات الأولى من “خطة العمل الشاملة المشتركة”، مؤكداً أن واشنطن استمرت في تهديد الشركات وردعها عن التعامل مع إيران. وأمام هذه الخلفية، أقرت افتتاحية 14 تشرين الثاني (نوفمبر) بأن رفع كافة العقوبات سيستغرق وقتاً؛ كما ذكرت أن طهران قد تسمح لهيئة محايدة بالإشراف على عملية التحقق، وأشارت إلى أن قدرة البلاد على شراء وبيع النفط وتحويل احتياطياتها من العملات الأجنبية محلياً ستكون بمثابة مؤشرات جيدة على فعالية العملية. ومجدداً، يبدو أن طهران تتوقع تبلور كل هذه العمليات والضمانات قبل العودة إلى التزاماتها النووية.
في أيلول (سبتمبر)، قام “مركز أبحاث المجلس” بتفصيل الكيفية التي يجب أن تكون عليها آلية التحقق هذه. وأوصى بأن يتمّ تحديد رفع العقوبات بشروط كمّيّة وإعادة تقييمها على أساس متواصل، بحيث يمكن لإيران أن تقرر ما إذا كانت ستواصل التزامها بالاتفاق أو تقلّص التزاماتها من جديد. ثم اقترح التقرير قائمة طويلة من المؤشرات لتحديد مستوى امتثال واشنطن، مثل بيع مليوني برميل نفط يومياً كحد أدنى. وقدّر تقرير صادر عن المركز نفسه في نيسان (أبريل) بأن تستغرق عملية التحقق الأولية ما بين ثلاثة وستة أشهر.
المطلب الخامس: على واشنطن تقديم ضمانات بأنها ستمتثل للاتفاق الجديد. في تموز (يوليو)، أفاد خامنئي بأن السلطات الأميركية رفضت تقديم ضمانات حول “امتثالها لالتزاماتها في المستقبل”، وكرر المسؤولون الإيرانيون هذه النقطة خلال الأيام الأخيرة. وقد شددت افتتاحية 14 تشرين الثاني (نوفمبر) بشكل صارم على الحاجة إلى مثل هذه الالتزامات الأميركية. وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، أوضح عبد اللهيان أن التصنيفات الأميركية الأخيرة لكيانات إيرانية جعلت تقديم واشنطن ضمانات موضوعية “ضرورة محتومة”. وفي اليوم السابق، أشار باقري كني إلى أنه سيتعين على الحكومات الأوروبية ضمان تعاملها مع إيران بغض النظر عن الموقف الأميركي، ما يشير إلى أنها قد تستخدم نوعاً من التشريعات المانعة لإبطال مفاعيل أي عقوبات أميركية ناتجة عن ذلك على الشركات الأوروبية.
من المفترض أن يدرك المسؤولون الإيرانيون أن واشنطن ستواجه صعوبات في تلبية هذا المطلب. وينبع تبريرهم لهذا التشديد على الأرجح من الرغبة في زيادة تكلفة أي انسحاب أميركي مستقبلي مع تقليل التأثير على طهران. على سبيل المثال، ألمح غريب آبادي في تموز (يوليو) إلى أن إيران طلبت من واشنطن منح الشركات “فترة زمنية معقولة” لمواصلة العمل في الجمهورية الإسلامية في حال فرض عقوبات أخرى، مشيراً إلى أن المسؤولين الأميركيين رفضوا الفكرة. وبالمثل، أشار “مركز أبحاث المجلس” إلى أن المفاوضين يجعلون واشنطن تتخذ خطوات “لتقليل مخاطر التجارة مع إيران”.
التداعيات
مع بدء المفاوضات، سيتضح ما إذا كانت اللغة الصارمة في افتتاحية 14 تشرين الثاني (نوفمبر) هي مجرد استعراض أو أنها تمثل موقف طهران الفعلي. ولم يعلّق خامنئي على استئناف المحادثات منذ تموز (يوليو)، لذلك لا يمكن تقييم أفكاره المحدّدة حول الوضع الحالي لمجريات الأمور إلّا من منظور خطاب حكومة رئيسي. وستكون مقاربة المفاوضين الإيرانيين والشروط المسبقة التي يطرحونها في اليوم الأول من اجتماعات فيينا إشارة جيدة لما إذا كان النظام على استعداد لتجاوز الخطاب المتشدد وراء الأبواب المغلقة والموافقة على تسوية أم لا.
وفي جميع الأحوال، من المحبط ألا تكون طهران قد فعلت الكثير لتحضير الشعب الإيراني لاحتمال تراجع تقدمه النووي الدعائي في أغلب الأحيان. بل على العكس، يمكن أن يؤدي خطابها إلى تعقيد السعي الصعب أساساً للتوصل إلى اتفاق جديد من خلال التلميح للجماهير المحلية بأن إيران ليست بحاجة إلى أن تحرك ساكناً على طاولة المفاوضات لضمان تخفيف العقوبات.
*عومير كرمي: كان زميلاً عسكرياً زائراً في معهد واشنطن في العام 2017.