عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Oct-2021

كتاب آخر مهم!*د. زيد حمزة

 الراي 

كتاب «المعارضة السياسية الأردنية في مئة عام ١٩٢١-٢٠٢١ هو آخر ما ألفه مؤرخنا الكبير الدكتور علي محافظة الذي قدم للمكتبة اكثر من اثنين وثلاثين كتاباً، وقد حوى بين دفتيه في ٣٦٨ صفحة معظم وقائع هذا التاريخ الحساس بالنسبة للبعض والمعتَّم على اجزاء منه لدى البعض الآخر، وذلك بأسلوب رصين يناسب مقامه وتقصٍّ أمين يحترم عقول القرّاء ويكاد يتطابق مع ما شهده على الطبيعة بعض جيلنا ولم يعد ممكناً إنكاره، وأستطيع القول بعد قراءته انه عمل غير سهل في بلد كالأردن لا أنساق وراء وصفه الشائع جهلاً أو قصداً بانه مختلف (!) عن سواه بموقعه وظروفه حتى لا انزلق الى تمييزه على الاخرين او الى شبهة التماس المسوغات لعيوبه وانحرافاته، البسيطة منها او الجسيمة كأي بلد آخر!
 
أدرك تماماً كم هو صعب اخراج كتاب عن تاريخ المعارضة، أيّ معارضة أينما كانت، فذاك جهد يعرف المتصدي له، خصوصاً من له باع طويل وخبرة مديدة في هذا الشأن كالدكتور المحافظة، أيَّ عناء سوف يلاقي في رفض المجاملة عندما يراها مداهنةً تفتئت على الحقيقة، او في السكوت عن واقع مهين لا مناص من فضحه، او بالإفصاح عن أحداث حاول كثيرون قبله تجاهلها او التهوين من شأنها خوفاً من غضب كهنة الدولة العميقة، ولقد أسعدني مثلاً ما جاء في كتابه عن إنشاء «التجمع المهني» الذي ضم جميع النقابات المهنية (ثم العمالية) لملء بعض الفراغ السياسي الرهيب الذي خيم على البلاد عقب هزيمة حزيران ١٩٦٧والذي تحوّل خلال وقت قصير وجهد سياسي كبير الى «التجمع الوطني» بعد ان انضمت له الأحزاب والقوى السياسية التي كانت مقموعة منذ زمن او تعمل تحت الارض، كما قلقت عليه عندما اجتاز في خطْوِهِ حقول الألغام بقوله في المقدمة «وكثيراً ما تعرضت هذه المعارضة السياسية للنقد والتجريح والاتهام بالعمالة للخارج والخيانة الوطنية وتعرض قادتها ونشطاؤها للنفي والإبعاد والاعتقال والسجن والتعذيب... ومن حق الأجيال الاردنية الشابة ان تعرف تاريخ هذه المعارضة السياسية وان تفخر به وتعتز باعتباره جزءاً اساسياً من تاريخ وطنها» وهو كلام صحيح وجريء لكن لاشكّ يوجع ضمائر الكثير من السياسيين المتخاذلين.
 
وللإنصاف، ينبغي القول ايضاً ان اي مؤرخ، والذي نحن بصدده ليس استثناءً، لا يمكن أن يغطي كل الأحداث والوقائع المهمة في حقبة زمنية طويلة كهذه، ومن حقه أن يختار منها ما يراه جديراً بالإبراز، وقد نسامحه عَلى سهوه عن بعض وقائع واحداث موثقة قام بها فرد او جماعة وكان لها فضل في تجنيب هذا الوطن مخاطر جمة، أما إذا كان السهو ناتجاً عن اقتناع شخصي بان ذكرها ليس ضرورياً فهو بالطبع حر في اقتناعه ويتحمل وزره!
 
وبعد.. تحية لمؤرخنا الذي نُجلّ فقد أنقذ جزءاً من تاريخنا من الضياع وأسهم في الإضاءة على عتمات متفرقة لا يجوز ان تبقى في حيّز المجهول.. حتى عَلى مدى قرن كامل!