عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jan-2021

مضامين الخطاب الأول لخامنئي في العام 2021

 الغد-عومير كرمي* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 8/1/2021

 
على الرغم من أن المرشد الأعلى الإيراني ترك المجال للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي وخفَّف من خطابه الانتقامي، إلّا أن رسالته الرئيسية كانت أن إيران لا يمكنها الوثوق بواشنطن عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاقتصادية، أو القضايا الأمنية، أو حتى لقاحات فيروس كورونا.
 
* *
في كل عام، يُلقي المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، خطاباً في ذكرى انتفاضة أهالي مدينة قُم ضدّ الشاه في العام 1978، وهو الأول في سلسلة من الخطابات لإحياء ذكرى أبرز اللحظات في تاريخ الثورة الإسلامية. وكما هو الحال مع خطاباته السنوية الرئيسية الأخرى، يستخدم خامنئي مثل هذه المناسبات لإطلاع الجماهير المحلية والأجنبية على طريقة مقاربته للأحداث الجارية. وعلى مدار العقد الماضي، ركّزت خطاباته في ذكرى انتفاضة قُم على تفسير الكيفية التي يمكن بها للأمة الإيرانية مقاومة الجبهة الغربية الموحَّدة ضدّها والتغلب على المصاعب الكبيرة، في طريقها إلى “الاستقلال الوطني”. وقد أعاد الخطاب الأخير الذي ألقاه 8 كانون الثاني (يناير) لهذا العام -الذي بُث عبر شاشات التلفزيون بسبب جائحة “كوفيد-19” المستمرة في البلاد- التأكيد على هذه المواضيع التي يتمّ تناولها منذ فترة طويلة، متضمّناً تحديثات مختلفة تعكس التطورات الأخيرة، سواء كان ذلك في داخل البلاد أو خارجها.
الولايات المتحدة في موقف ضعيف
عندما تحدث احتجاجات داخل الولايات المتحدة أو في أوروبا، غالباً ما يستخدمها خامنئي لإثبات هشاشة المجتمع الغربي والأنظمة السياسية الغربية. ولذلك، كان من المتوقَّع أن يسلّط الضوء على الأحداث الأخيرة التي جرت في واشنطن كدليلٍ على انهيار الديمقراطية وحقوق الإنسان الأميركية. وقال: “يمكننا أن نرى ما تحول إليه المعبود الكبير”. كما أعلن أن الولايات المتحدة حاولت إشعال حربٍ أهلية في إيران في العام 2009، و”ابتلاها الله الآن بالمحنة نفسها في العام 2021″.
ثم صوّب آية الله كلامه نحو أولئك الذين يعتقدون أنّ المصالحة مع الولايات المتحدة ستحوّل إيران إلى “فردوس”. وبعد تذكير المستمعين بما كانت إيران تبدو عليه قبل الثورة، عندما كانت تربطها علاقات جيدة بواشنطن، دعاهم إلى النظر في الحالة الراهنة للاقتصاد الأميركي “المشلول”. وفي المقابل، كما قال، حققت الجمهورية الإسلامية نجاحات عديدة في الآونة الأخيرة من خلال مقاومة الضغط الخارجي.
على إيران أن تعتمد على قدراتها الخاصة وليس على الإغاثة الغربية في خطاب كان قد ألقاه في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، شدد خامنئي على أنه لا ينبغي للإيرانيين أن يأملوا في الحصول على مساعدة خارجية أو تغيير سياسات الحكومات الغربية. وبدلاً من ذلك، أصدر تعليماته للمسؤولين بتحسين قدرة الجمهورية الإسلامية على مواجهة الصعوبات بمفردها. وقد جدد هذا الموقف في خطاب 8 كانون الثاني (يناير)، فأشار إلى أن على طهران إعداد اقتصادها لأي سيناريو، سواء تم رفع العقوبات عن البلد أم تم تشديدها. وقال أن تصرفات النظام جعلت العقوبات غير فعالة تدريجياً.
وانعكس نهج الاعتماد على الذات الذي يتّبعه خامنئي، والذي اتّسم بالقدر الأكبر من التطرف والارتياب عندما أعلن أن إيران لن تستورد لقاحات فيروس كورونا من الولايات المتحدة أو بريطانيا، مشككا في مصداقيتها وفعاليتها. وزعم أنه “لو أنهم يعرفون كيف يُصنع اللقاح، لكانوا قد استهلكوه بأنفسهم حتى لا يشهدوا هذا العدد الكبير من الوفيات”. ثم ألمح إلى أن الغرب قد يحاول استخدام دول أخرى كأماكن للاختبار. كما شكك في جهود فرنسا في مجال اللقاحات، مشيراً إلى تورط البلاد في فضيحة الدم الملوث في التسعينيات. وبدلاً من ذلك، قال إنه يتعين على إيران شراء اللقاحات من دول جديرة بالثقة، أو الاعتماد على البديل المطوّر محلياً، والذي ما يزال قيد الاختبار.
لكن هذا الانفعال الذي ينمّ عن جنون الارتياب الطبي -والذي كان قد انعكس على النحو نفسه في خطاب النوروز الذي ألقاه في آذار (مارس) 2020 في بداية الجائحة، يتبيّن أنه مميت لأعدادٍ لا تُحصى من الإيرانيين. وبعد ساعات من خطابه في 8 كانون الثاني (يناير)، أعلنت “جمعية الهلال الأحمر” الإيراني إلغاء شحنة من 150 ألف جرعة من لقاح “فايزر”.
على أميركا رفع العقوبات قبل عودتها
إلى “الاتفاق النووي”
وفقاً لخامنئي، فإن النظام ليس “في عجلة من أمره” عندما يتعلق الأمر بعودة واشنطن إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقال إنه إذا رفعت واشنطن عقوباتها، فستعود إيران إلى الامتثال الكامل لبنود هذه “الخطة”. أما إذا لم يتم رفع العقوبات مسبقاً، فإن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي “قد تكون ضارة” لإيران. ثم أشاد بـ”المجلس” والحكومة لقرارهما “المنطقي والحكيم” في وقت سابق من من هذا الشهر باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، وقال: “عندما لا يمتثلون لأي من التزاماتهم في خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن من غير المنطقي أن تلتزم إيران بكل التزاماتها” أيضاً. كما ذكّر خامنئي جمهوره بأنه سيترتب على الولايات المتحدة أن تعوض إيران عن الأضرار التي تكبدتها منذ انسحاب الرئيس ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018.
وجود إيران في المنطقة وقدراتها الصاروخية غير قابلة للتفاوض
في خطابه، كرر خامنئي الفكرة القائلة بأن أي محادثات مستقبلية مع الغرب يجب أن تقتصر على القضية النووية وحدها. وحسب رأيه ، فإن واشنطن هي التي تحاول زعزعة استقرار المنطقة، في حين أن طهران هي جهة فاعلة تُحقِّق الاستقرار و”يتحتم عليها” دعم أصدقائها في المنطقة. وهكذا، وعد باستمرار تعزيز الوجود الإيراني في المنطقة.
وبالمثل، وصفَ خامنئي برنامج الصواريخ والجهود العسكرية الإيرانية الأخرى بأنها قدرات “دفاعية”، مدّعياً أنّ الغرب يريد أن “يجرّد إيران من قدرتها الدفاعية” لكي “يجرؤ الأعداء على قصف مدننا” مثلما فعل صدام حسين في العقود الماضية. وقال أنه من خلال قيام إيران بتحسين ترسانتها الصاروخية وأنظمتها الأخرى، سيمكنها ردع أعدائها وإجبارهم على أخذ قدرات النظام في الاعتبار.
أخيراً، شكر خامنئي الشعبين الإيراني والعراقي على إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل اللواء قاسم سليماني، مدعياً أن أفعالهم كانت مظهراً من مظاهر الحراك الشعبي الأوسع الداعم لسياسات النظام الإيراني. كما أشاد بشخصيتين أخريين رحلتا في الآونة الأخيرة -العالم النووي محسن فخري زاده، الذي قُتل في كمين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ورجل الدين المتشدد محمد تقي مصباح يزدي، الذي توفي في وقت سابق من هذا الشهر- قائلاً إنهما تركا إرثاً قيّماً يجب الحفاظ عليه وتوسيعه. ومع ذلك، وعلى الرغم من الدعوات السابقة إلى الثأر لمقتل سليماني وفخري زاده، لم يعتمد خامنئي نبرة انتقامية في خطاب قُم، في ما قد يشير إلى أنّ طهران تنتظر لرؤية الكيفية التي ستحدد بها الإدارة الأميركية الجديدة سياستها وسلوكها الإقليميَين تجاه إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة.
*زميل زائر سابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قاد سابقاً الجهود التحليلية والبحثية لـ”جيش الدفاع الإسرائيلي” المتعلقة بالشرق الأوسط.